التزوير والغش في العقارات والأراضي.. كابوس جديد

تحقيق: وكالات: سودان بيزنس

 

 

تمر البلاد بأزمة اقتصادية طاحنة أرهقت المواطن السوداني، وكذلك شكا مواطنين من زيادة أسعار العقارات، بكل درجاتها، حيث أصبح الاستثمار في العقارات مهنة عدد كبير من الناس باعتبار أنها تجارة مربحة غير قابلة للخسارة بحسب خبراء في الاقتصاد، ومع تسارع وتيرة ارتفاع أسعار إيجار وبيع العقارات، ظهرت مجموعة من الوسطاء والتي تسمى بحسب اقتصاديين بالـ”طفيلية الرأسمالية” وقالوا إنهم سبب التضخم الذي يخيم على البلاد، وطالبوا بضرورة أن تحاربهم الدولة بسياسات ضريبية وإجرائية.
حوجة سكن
يقول المهندس بوزارة التخطيط العمراني ولاية الخرطوم عبدالعزيز عبدالله عبد الرحمن، إن فهم الناس للأراضي والعقارات قاصر، مضيفاً أنهم في السابق كانوا ينظرون للعقار من زاوية الحوجة للسكن فقط، وفي الأرياف الحوجة لأرض مطرية والتي تسمى فدان أو جدعة أو مخمس، موضحاً أن كل ذلك تسميات لمسحات يتم زرعها، مبيناً أن المزارع بعد انتهاء الخريف وبعد الحصاد يضع جزءاً من المحصول في منزله لغذائه والجزء الآخر إلى السوق.

استثمار واستغلال
ويوضح أنه في الوقت الراهن أصبحت الأرض عبارة عن سلعة تباع وتشترى، تستثمر وتستغل، قائلاً إنها تقود إلى الثراء وتساعد في تحقيق الأحلام، وأرجع ذلك لسببين، الأول هو أن الأرض ليست كبقية السلع لا تطلب أي مجهود، الثاني أن سعر الأرض لا ينخفض، بل في تصاعد دائماً قاطعاً أن ذلك جعل الناس يهتمون بالأرض ويقولون إن النشاط في الأرض يدر أرباحاً.
ملك حر
وعن أنوع العقار والأرض يقول عبدالله إن منها الملكية، موضحاً أنها تعني الملك الحر وهو ما يخص الشخص لامتلاك الأرض ملكية كاملة وله حق التصرف فيها دون الرجوع للسلطات، وتابع: حتى الدولة لا تستطيع التصرف فيها إلا بعد الجلوس مع المالك والتفاوض معه وتعويضه تعويضاً مجزياً، وأشار إلى أن هناك سابقة في السبعينيات في عهد الرئيس نميري الأسبق الذي ألغى تسجيل الأراضي بالملك الحر إلا ما قد سلف، قائلاً إن هذا النوع من الملكلية كثير في الأماكن العريقة مثل الجريف وجزء من الكلاكلات والأماكن المتاخمة للنيل، لافتاً إلى أن كل ذلك سجل بموجب قانون وضع من قبل الإنجليز يسمى قانون تسوية الأراضي وتسجيلها في العام ١٩٢٥م .

مكلية منفعة
ويلفت في حديثه لـ”اليوم التالي” إلى أن هناك أيضاً ملكية المنفعة أو الحكر، وقال إنها وهي كعقد إيجار بين المستأجر والدولة ممثلة في حكومة السودان، مبيناً أن مدة الحكر تحدد في العقد، منوهاً الى أن هنالك حكر بـ٦٠ عاماً أو ٩٠ عاماً، ومثال ذلك الخطط الإسكانية والتي تعتبر جميعها ملكية منفعة تجدد عند انتهاء الحكر وهذا ما لا يعلمه عدد كبير من الناس، موضحاً أنه عند انتهاء فترة الحكر لا يستطيع مالك الأرض التصرف فيها الا بعد الرجوع للسلطات وتوفيق أوضاعه.
سماسرة ومحتالون
ويشير عبد العزيز إلى أن السماسرة والمحتالين في مجال الأرض والعقار كثيرون، وقال إنهم يستغلون البسطاء ومن يجهلون مشاكل الملكية والإجراءات المنظمة لهذا النشاط من قبل الدولة، مضيفاً أن المحتالين يعملون على إيقاع أكبر عدد من هؤلاء البسطاء بغرض الحصول على الأموال.
مشاكل الحيازة
وأكد عبد الله أن أي أرض غير مسجلة فهي تتبع لحكومة السودان، موضحاً أن الحيازة تعني أن يضع الشخص يده على أرض تتبع لحكومة السودان سواء كان الغرض من ذلك السكن أو أي نشاط، وزاد: أكثر المشاكل هو أن يتصرف الشخص في أرض ليست ملكه، وربما تكون غير مسجلة ولم يتم مسحها وفتح سجلها، لأنها إذا كانت لها سجل يعني أنها ملكية، قاطعاً أن ذلك ما يستغله المحتالون لبيع الأرض لأكثر من شخص، ويبين أن مثل هذا النوع منتشر بصورة كبيرة، قائلاً إن هذه الظاهرة أصبحت تقاد بشبكة إجرامية كبيرة للإيقاع بالضحايا، ولهم شهود زور يعملون معهم عند الحاجة.
مشاكل وحلول
وعن حلول هذه المشاكل يقول عبد العزيز عبد الله إن هناك بعض الحلول درجت عليها الحكومات السابقة، المتعلقة بمعالجة السكن غير المنظم أو العشوائي أو الحيازات، قائلاً إنها تتمثل في فرق البحث الاجتماعي بغرض حصر الأسر والهدف هو تخطيط حضري، مضيفاً أنه يساعد في بسط الأمن وانسياب الخدمات كالماء والكهرباء وإنشاء مرافق الدولة، مشيراً إلى أن هذا الحل له آثار سلبية، متمثلة في تشجيع الهجرات من الولايات إلى العاصمة، وهذا بدوره أدى إلى تشتيت جهود الولاية في أداء دورها.
حل أمثل
وعن الحل في الإطار الكلي، يقول عبدالله إنه لابد للحكومة المركزية من إنشاء مشاريع محورية في كل ولاية وذلك لجذب الاستثمار والاستفادة من إمكانية السودان بالزراعة بشقيها النباتي والحيواني، إضافة إلى الصناعة التحويلية، مؤكداً أن ذلك يساعد في الهجرة العكسية من العاصمة إلى الولايات، هذا إذا توفرت نفس الخدمات وفرص العمل، معتبراً أنه الحل الأمثل للقضاء على محتالي الأراضي وشراء الحيازات.
أرباح عالية
إلى ذلك يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين مزمل الضي عباس إن الاستثمار في العقارات عند الاقتصاديين يسمي الاستثمار الجبان وبرر ذلك لأن معظم المستثمرين في دول العالم يلجأون للاستثمار في مجال العقار وذلك لأن الاستثمار فيه أقل مخاطرة، موضحاً أنه لا توجد فيها خسارة، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي”: إذا اشترى المستثمر أرضاً أو عقاراً لا يتحمل فيها خسائر كبيرة، وأكد أنه يحقق أرباحاً عالية خاصة في حالة الإيجارات في مناطق جيدة والأسعار فيها مرتفعة، ويرى أن من ضمن أسباب ارتفاع إيجار العقارات خاصة في وسط الخرطوم بسسب أنها عقارات مملوكة للمغتربين، موضحاً أن المغترب هدفه الأساس امتلاك عقار وسيارة، وعند عودة المغترب بعد عشر سنوات مثلاً يكون العقار مصدر عيشه الأساس ويعتمد عليه اعتماداً كلياً، مبيناً أن أي زيادة في كل أسعار السلع الأساسية تجعل المستثمر يزيد إيجار سعر العقار لأنه مصدر دخله.
وسطاء وأجانب
ونوه مزمل الى أن دخول الوسطاء (السمسار) ساهم في ارتفاع أسعار إيجار العقارات، وقال إن الوسيط يتفق مع صاحب العقار بزيادة أسعار الإيجار بعد تبرير الوسيط أن الناس تحتاج إلى العقارات الجيدة، وعليها طلب عالٍ، وأضاف مزمل أن الوسطاء أيضاً لا يلتزمون بالنسبة المحددة قانونياً وهي اثنبن ونصف في المائة من سعر العقار، لافتاً إلى أن الوسطاء يطلبون مقدم شهر وهذا بدوره يرفع من سعر إيجار العقارات، كما يشير مزمل الى أن الوجود الأجنبي رفع من أسعار إيجار العقارات ذلك لأنهم يدفعون بالدولار والجنيه السوداني قيمته متدهورة، قاطعاً أن المستثمر يستفيد من الدولار أكثر من الجنيه إلى جانب أن المستأجر الأجنبي يحافظ على العقار وهو سبب أساس في رفع أسعار العقار، ويرى أن المواطن السوداني يصعب عليه الإيجار في هذه المناطق وهو ما يجعله يلجأ إلى الاستئجار في الأماكن الطرفية والتي أصبحت الآن متكدسة.
قانون ملزم
وانتقد مزمل عدم وجود قانون يلزم المؤجر والمستأجر بقانون معين، وقال: كان على الدولة وضع تسعيرة معينة للعقارات حسب درجة العقار، وأوضح أنه في الوقت الراهن هناك تباين واختلاف كبير في الأسعار، ويمكن أن يكون سعر عقار درجة ثالثة يضاهي عقار في بري أو غيره، مشيراً إلى أن هذا الاختلاف نابع من دخول الوسطاء، وأكد أن ذلك لعدم وجود قوانين حامية للمواطن وحقوق صاحب العقار، وطالب الدولة بضرورة وضع قوانين ومعايير معينة كبقية دول العالم.
سياسات ضريبية
ويلفت إلى أن هنالك طفيلية رأسمالية ظهرت الآن، موضحاً أنهم القطاع غير الرسمي، مبيناً أنهم الآن بكميات كبيرة يتمثلون في السماسرة والوساطة ويكسبون دخولاً كبيرة ولا يبذلون مجهوداً كبيراً، ومن الملاحظ أن هناك تضخم آخر غير الموجود في أسعار العقارات، قاطعاً أنه ناتج عن وجود القطاع غير الرسمي والمتمثل في القطاع الخدمي الذي يمثل أكثر من ٥٠% في السودان، وطالب بضرورة أن تحارب الدولة هؤلاء بسياسات ضريبية وإجرائية متمثلة في أي شخص يرغب أو يعمل في مجال الوساطة، وقال: لابد أن تكون هناك قيود وقوانين تلزمه، وضرورة أن يكون له سجل ضريبي لتستفيد الدولة وأن تكون هناك قوانين لا يرفع على أساسها سقف الإيجارات بناءً على مصالحه.