إسماعيل جبريل تيسو يكتب .. حـدود المنطق.. مشاهدات من داخل سُرادق عزاء والدة أردول رحمها الله

*حـدود المنطق*

*مشاهدات من داخل سُرادق عزاء والدة أردول رحمها الله*

*إسماعيل جبريل تيسو*

خلال يومين متتاليين وقف رئيس المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية والقيادي بقوى الحرية والتغيير – الميثاق الوطني والمدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، مبارك عبد الرحمن أردول، وقف يتلقَّى التعازي في وفاة والدته الحاجة خميسة علي إدريس أو ( دينا ) وهو الاسم الذي اشتهرت به الراحلة وأحبَّه أردول، الذي كانت تربطه ب ( دينا الجميلة ) علاقة أعمق من رباط الأبن بوالدته، فقد كانت صديقته وأخته الكبرى، وكانت هي كذلك لزملائه وأصدقائه.

الراحلة المقيمة الوالدة (دينا)، كانت زاد أردول المعنوي في مشواره ( الملغَّم) بالمعاناة والتضييق والغربة والارتحال، فظلت (دينا) هي دنياه وظلاله الوارفة التي يتسفيء عندها كلما اشتدت عليه المواقف وادلهمًّت به الخطوب، وكانت ( دينا) عشق أردول حيث لا عشق حقيقي إلا الأم الحنون الرؤوم، وكانت (دينا) هي الشُرفة التي ظل أردول يطلُّ من خلال شموخها وكبريائها، ليقوى على الاستمرار في معترك الحياة، حتى صار الرجل الذي نعرف اليوم، وصدق المثل الدارفوري الشهير ( الرجال عناقر ما كُبُر دَنَاقِر) وحقاً وراء كل عظيم امرأة، ألا رحم الله والدتنا خميسة علي إدريس وألزم صديقنا مبارك أردول الصبر والصبر الجميل، فالرجل فَقَد خلال ستة أشهر والديه توالياً رحمهما الله.

نعود إلى سُرادق العزاء الذي كان استفتاءاً للشعبية الكبيرة التي يتمتع بها صديقنا مبارك أردول، وتأكيداً لحقيقة أن الشعب السوداني مازال محتفظاً بقيم ظلت ضاربة في عمق الإنسانية، وأهمها على الإطلاق المواساة عند الفقد، ولا أعتقد ثمة فقد أحرَّ وجعاً من فقد الوالدة.

لقد كان سُرادق العزاء محتشداً بمختلف ألوان الطيف السوداني من سياسيين وعسكريين وقيادات شرطة وأمن ودعم سريع، ورجال مال وأعمال وقيادات طرق صوفية ورجالات إدارة أهلية وسلك دبلوماسي وممثلين لبعثة اليونتامس، ورموز من الفنانيين والإعلاميين والصحفيين والرياضيين ونخب وأعيان مجتمع ومواطنيين من عامة الشعب.

حضر رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، وأعضاء من مجلس السيادة من المدنيين والعسكريين، وكان شمس الدين كباشي حاضراً على مدار اليومين ليتلقّى العزاء بحكم صلة القربى، ومثله كان وزير المعادن محمد بشير أبونمُّو وقيادات وزارة المعادن وشركاء قطاع التعدين، وشكلت القيادات السياسية والعسكرية لأطراف العملية السلمية حضوراً لافتاً بقيادة مني أركو مناوي، جبريل إبراهيم، الهادي إدريس، الطاهر حجر، أحمد بخيت، إسماعيل جلاب، والتوم هجو، وبجانبهم عددٌ من الوزراء، وحضر لفيفٌ من ولاة الولايات، ورؤساء التنظيمات وقيادات من الأحزاب التقليدية والإسلامية والقوى السياسية المختلفة، وأوجدت تابيتا بطرس مكاناً لها في السُرادق وقامت بواجب العزاء لأردول وأصدقائه وكذلك فعلت شذى عثمان الشريف، وقبلهما حضرت مريم الصادق المهدي وأخريات من قيادات الحركة الشعبية ومنظمات المجتمع المدني.

واللافت أن سُرادق عزاء والدة صديقنا مبارك أردول كان مكاناً لتجميع الفرقاء السياسيين، فقد حضر ياسر عرمان المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك والقيادي في اللجنة المركزية للحرية والتغيير، وجلس إلى مبارك أردول، وإلى قيادات من الحرية والتغيير الميثاق الوطني، وكذلك حضر من القيادات البارزة في اللجنة المركزية للحرية والتغيير، عمر الدقير، حيدر الصافي، أمجد فريد، إسماعيل التاج، وإبراهيم الشيخ وزير التجارة السابق، الذي جالس الفريق شمس الدين كباشي بعد سلام حار تبادلا خلاله المودة وكلمات التقدير والامتنان، وشكل زعيم قبيلة المحاميد الشيخ موسى هلال حضوراً أنيقاً وجلس ساعات طوال داخل سُرادق العزاء، وجالس الكثيرين ممن جاءوا لتعزية مبارك أردول.

لقد كان سُرادق عزاء والدة مبارك أردول منصةً احتوت الكثير من المتناقضات السياسية السودانية والتي توحدت جميعها في محبة أردول وعكست تقديرها لشخصه فكان ذلك استفتاءاً على قيمة الرجل كناشط سياسي وتنفيذي ورجل دولة يقود أرفع المؤسسات الاقتصادية في السودان، لقد حقق سُرادق عزاء والدة مبارك أردول أمنية ظلت تراود الحاجة خميسة علي إدريس قبل وفاتها وهي تحقيق إجماع وطني يقود السودان إلى السلام والاستقرار ويعيد أبناءه من المهاجرين والمغتربين ليكونوا على قلب رجل واحد يساهموا معاً في عملية بناء السودان الجديد القائم على المواطنة والعدالة والمساواة.

رحلت الوالدة دينا الجميلة وكان سُرادق عزاءها محطة لتلاقي الفرقاء، وليت هذا السُرداق يكون لبنة وأساساً متيناً يقوم عليه بناء إجماع وتوافق بين جميع الفرقاء ليلتفتوا إلى بناء وتنمية البلاد وتحقيق مقاصدها العليا، وبلورة أهداف ثورة ديسمبر التي وحدت السودانيين وأبهرت العالمين قبل أن تواجه الأعاصير وتدخل نفقاً مجهول المصير، فالسودان بمعاناته ومصائبه العظام وتحدياته الجسام، يحتاج إلى جميع أبنائه بمختلف أطيافهم، يحتاجهم اليوم أكثر من أي وقت مضى، وقديماً قال الشاعر إن المصائب يجمعنَّ المصابينا.