عبداللطيف علي إبراهيم في الرد علي سعادة السفير عبدالله الأزرق . (٢/١)

قرأت مقالا اقتصاديا سياسيا طويلا بتاريخ ٦ أبريل ٢٠٢٤ بعنوان : نعم احدي كوارث السودان هنا ، يحمل اسم سعادة السفير عبدالله الأزرق الوكيل الأسبق لوزارة الخارجية السودانية و الذي تعرفناه من خلال عمله الدبلوماسي و قصائده و اشعاره و مدونات ذكرياته في سفارات السودان المنتشرة في أقاصي الدنيا و لكن لم نألف له الكتابة في الاقتصاد لذلك استغربت عندما قرأت المقال و اتمني أن لا يكون سعادة السفير هو كاتب المقال لان جزء كبير مما جاء بحيثيات مقاله لا تقف علي ساقين و لا تعبر عن الحقيقة التي يعرفها بعض الناس و يجهلها كثيرهم .
لست هنا بصدد الرد علي كل النقاط التي أثارها سعادة السفير رغم علمي بأن معظم ما جاء فيها مجافي للحقيقة و لكني أتناول ثلاثة مواضيع اساسية وردت في مقاله :

١- موضوع تورط رئيس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك في تسليم تصاميم العملة السودانية لدولة الإمارات.
٢- موضوع بنكك
٣- موضوع بنك الخليج ، بنك الثروة الحيوانية و نائب محافظ بنك السودان.
أقوم هنا بتوضيح الحقائق المحيطة بهذه المواضيع بصورة مهنية و من واقع خبرتي المصرفية و معلوماتي المستقاة من المصادر ذات العلاقة منذ الفترة الانتقالية و حتي فترتنا المعاصرة العصيبة هذه.
١- موضوع السيد د.عبدالله حمدوك :
اري ان المقدمة التالية ضرورية لشرح الموضوع أعلاه.

تعتبر عملية طباعة العملات من أكثر العمليات التي تتميز بالمهنية و السرية من حيث الظروف المحيطة بها و العقود الملزمة بين الأطراف و التي تحكمها ضمانات ملزمة و التزامات مقيدة ( بضم القاف و كسر و تشديد الياء) أو binding باللغة الانجليزية . قد تضطر البنوك المركزية أحيانا إلي طباعة عملاتها خارجيا اذا عجزت مطابعها المحلية عن توفير الكميات و المواصفات المحددة .
من اكبر الشركات العالمية في مجال طباعة العملات هي شركة دي لا رو البريطانية ، شركة جيسيكه اوند ديفرنت الألمانية، شركة اف سي اوبرثر الفرنسية و شركة انسخيده الهولندية و شركة اورل فوسلي السويسرية. اما شركة كرين الأمريكية فهي تعمل بصورة أساسية في طباعة الدولار الأمريكي و لكنها أيضا تقوم بطباعة العملات الأخرى.

تمر عملية ( طباعة ) العملة بمرحلتين:

المرحلة الأولى: هي مرحلة تصنيع ورق العملة. و هذه عملية معقدة حيث يتم فيها إدخال بعض العلامات التأمينية في عجينة الورق الخاص بالعملة و من ثم تصنيع الورق. هذه العملية تقوم بها شركات قليلة في كل العالم (حوالي خمس شركات). شركة كرين الأمريكية هي من تلك الشركات، و هي التي قامت بتصنيع ورق فئات العملة الكبيرة في عام ٢٠١٩.
المرحلة الثانية: هي مرحلة ( الطباعة)، و هذه تتم بإستخدام الورق المصنع و طباعة المواصفات الأخرى عليه ( مواصفات تأمينية إضافية و الألوان…الخ).
هذه المرحلة تقوم بها أي مطبعة عملة لأنها أقل تعقيدا.
هناك شركات تقوم بالمرحلتين معاً، و منها شركة كرين، لذلك تم الإتفاق معها في عام ٢٠١٩ أن تقوم بتصنيع كل الورق ( المرحلة الأولى) ، ثم أعمال الطباعة ( المرحلة الثانية أيضا) لكن لجزء فقط من الكمية الكلية للفئات المطلوبة ، حيث تم تسليمها نماذج طباعة العملة ( الاكليشيهات ) للقيام بأعمال هذه المرحلة الثانية .

أما بالنسبة للجزء الثاني من الكمية فقد تم الإتفاق مع شركة عملات الإماراتية لطباعتها . حيث ان أحد الأسباب لذلك هو تفادي مخاطر التركيز الكامل على شركة واحدة ، خاصة أن البلاد كانت تعاني من أزمة حادة في توفير الأوراق النقدية و أظن ان الكل يذكر ذلك خلال العامين ٢٠١٨ و ٢٠١٩ مما حدا بالبنوك قفل أبوابها أمام العملاء الذين كانوا يودون سحب و لو جزء يسير من ودائعهم و تحويلاتهم . يضاف الى ذلك أن شركة عملات الاماراتية كانت تكلفتها أقل و مما يجدر ذكره ان شركة عملات الإماراتية قدمت بعض التسهيلات في هذه الصفقة مثل التخزين من العام ٢٠١٩ حتى عام ٢٠٢٢ عندما قرر بنك السودان إدخال هذا الجزء للتداول.

للإجابة علي ما جاء بمقال سعادة السفير الأزرق نعود للتذكير بان العامين ٢٠١٨ و ٢٠١٩ قد شهدا نقصا مريعا في ايفاء المصارف الطلب علي العملات الورقية مما حدا بالبنك المركزي لطباعة العملة خارجيا لإنقاذ الموقف خاصة في العام ٢٠١٩ .
و كما ذكرت أن شركة عملات الاماراتية هي من قامت بطباعة جزء من العملة المطلوبة و حتي تتم هذه الطباعة لابد من تسليمها اكليشيهات العملة و هنا أتساءل كيف تتم الطباعة بدونها ؟ و ارجو ان اشير هنا إلي أن تسليم الاكليشيهات للمطابع هي عملية روتينية تمارس عند طباعة العملات.

لكن المعلومة الأساسية :
كل هذه العملية تمت قبل وصول السيد حمدوك إلي سدة رئاسة الوزراء في ٢١ أغسطس ٢٠١٩ لذلك فإن ما جاء بمقال سعادة السفير من أن السيد د. حمدوك هو من قام بتسليم الاكليشيهات هو قول مردود و أن اتهاماته للسيد حمدوك هي اتهامات
غير صحيحة و باطلة . تجدر الاشارة هنا أن موضوع توفير الأوراق النقدية كانت اولي اهتمامات السيد حمدوك حيث اجتمع فورا بعد تسلمه رئاسة مجلس الوزراء بالسيد محافظ بنك السودان حينها السيد حسين يحيي جنقول الذي طمأنه بأن المشكلة قد تم حلها بوصول الكميات المطبوعة قبل أسبوعين من تاريخ الاجتماع المذكور دون حتي الاستعانة بفئة الألف جنيه و التي أدخلت للتداول في العام ٢٠٢٢ .
(راجع الاخبار )

عبداللطيف علي إبراهيم
مصرفي سابق
القاهرة ١٦ أبريل ٢٠٢٤