أزمة “شريان الشمال” تشل حركة السودان مع مصر وتغتال الزراعة

أزمة “شريان الشمال” تشل حركة السودان مع مصر وتغتال الزراعة

 

تقرير _ سودان بيزنس

الكثيرون من التجار والمصدرين والموردين وملاك الشاحنات من السودانيين تضرروا من إغلاق الطريق

تتصاعد مجدداً أزمة إغلاق الطريق القومي (شريان الشمال)، الرابط بين السودان ومصر، التي بدأت مع إعلان الزيادات الكبيرة في الكهرباء بداية العام الحالي 2022، ما أدى إلى احتجاجات مزارعي الولاية الشمالية، وبدأ إغلاقهم الطريق يخطو نحو أسبوعه الثالث، منذ 25 يناير (كانون الثاني)، من دون حلول تذكر، بعد إعلان التصعيد الشامل من لجان المقاومة، اعتباراً من مطلع هذا الأسبوع، بوقف مرور كل الرحلات البرية، بما فيها الشاحنات التجارية بين البلدين، باستثناء سيارات الإسعاف والحالات الإنسانية.
وعلى الرغم من إعلان مزارعي الولاية الشمالية فتح الطرق وإنهاء حالة الإغلاق لظروف إنسانية، في ظل غياب أي تجاوب من الحكومة لمطالبهم، لكن لجان المقاومة بالشمالية، اتهمت تجمع المزارعين، ببث إشاعة حول رفع ترس كوبري الحامداب، وهو المعبر الرئيس على الطريق.
تجاذبات الإغلاق

وقال بيان اللجان، “بالتزامن مع صدور بيان تجمع المزارعين حدثت محاولات لفض ترس كوبري الحامداب من قبل بعض أنصار النظام وتحريض سائقي الشاحنات المصرية، إلا أن هذا العبث تكسر عند جدار الترس الصامد”.
وأوضحت اللجان أنها ستأخذ بجدية التهديدات المبطنة، القائلة بأن الساعات المقبلة ستكون حاسمة، بمعنى أن هناك دماءً ستراق، محذرة من أي محاولة لاستخدام القوة.
وكان رضا الإدريسي، رئيس تجمع مزارعي الولاية الشمالية، قد أعلن فتح الطريق بكل مناطق الولاية، اعتباراً من الأحد. موضحاً، لوكالة الأنباء الرسمية (سونا)، أن فتح الطرق وإنهاء حالة الإغلاق جرى لظروف إنسانية، في الوقت الذي لم تبدِ فيه الحكومة أي تجاوب مع مطالب المزارعين. متهماً بعض الجهات باستغلال مطالبهم، وتوجيهها لصالح أجندتها السياسية، مما حدا بهم إلى إنهاء الإغلاق.

وأضاف الإدريسي، “اللجنة الخاصة بالحراك ستجتمع لمناقشة الموضوع، وتقييم ما جرى من خطوات، تمهيداً لاتخاذ القرارات المناسبة”. معرباً عن أمله في أن تستجيب الحكومة لمطالب المزارعين بإلغاء الزيادات الجديدة في تعريفة الكهرباء. ومشيداً بكل من دعم مطالب المزارعين، ووعى وفهم عابري الطريق لدواعي الإغلاق، واعتذاره لكل من تضرر خلال فترة الإغلاق.
وفي المقابل، أعلنت لجنة مقاومة منطقة القولد بداية جديدة لتصعيد الإغلاق بصورة شاملة للطريق مطلع هذا الأسبوع. متهمة جهات لم تسمها باستخدام الطريق، لتهريب ثروات وخيرات البلاد. مشيرة إلى أن الإغلاق سيستمر حتى سقوط الحكم العسكري.

وحسب اللجان، حاولت قوة أمنية فض ترس (حاجز) منطقة الحفير القريب من مدينة دنقلا عاصمة الولاية، واعتقلت عدداً من المواطنين، قبل أن تطلق سراحهم، لكنهم عادوا من جديد، بينما ترابط مجموعة من القوات الأمنية بالقرب من المكان، الذي شهدت عدة مناطق مجاورة له إغلاقات فرعية للطريق، بواسطة لجان المقاومة عند منطقتي عبري ودلقو (المحس)، ما يخشى معه وقوع مواجهات بين الجانبين.
وكشفت لجان المقاومة عن أن الإغلاق أسفر عن إرجاع مئات الشاحنات والجرارات المحملة بالمنتجات الزراعية مرة أخرى إلى داخل البلاد، والسماح للشاحنات الفارغة بالذهاب. مبينة أنها قررت رفع الترس (الحاجز) من القولد إلى منطقة رومي البكري لمدة 24 ساعة فقط، استجابة لنداءات إنسانية من البعض، وتماشياً مع شعارات الثورة.
البداية المطلبية
في السياق أكد عوض أحمد قدورة، والي الولاية الشمالية المكلف في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن جهود حكومة الولاية “مستمرة لإنهاء هذه الأزمة التي بدأت في الأصل بأسباب مطلبية، بواسطة مزارعي الولاية”، احتجاجاً على التعريفة العالية لكهرباء القطاع الزراعي التي قررتها الحكومة المركزية، وأغلق المزارعون طريق شريان الشمال، مطالبين بإلغائها، غير أنه لاحقاً انضمت إليهم مجموعات أخرى من المواطنين، من بينهم لجان المقاومة بعدد من المناطق.
وشدد قدورة على أن حكومته تتعامل مع القضية في بعدها المطلبي، وليس كقضية سياسية، وتعتبر الجميع مواطنين بالولاية من دون أي تصنيفات، كما ترى أن السبب الرئيس للإغلاق كان هو تعريفة الكهرباء الجديدة، وبانتفائه ينتهي الإغلاق، وهو ما تسعى الحكومة لمعالجته في اتصالاتها وتواصلها مع مجلس السيادة ووزارتي المالية والطاقة بحكومة المركز، وفي انتظار حل المشكلة. مشيراً إلى أن حكومته تلقت وعوداً بالاستجابة إلى مطالب المزارعين وتعديل تعريفة الكهرباء في غضون أسبوع واحد، ما يعتبر حلاً جذرياً للمشكلة.
وأوضح الوالي المكلف أن الطريق فتح بصورة جزئية مؤقتة لأسباب إنسانية خلال اليومين الماضيين، عند كوبري الحامداب، والسماح بعبور عديد من المركبات من الجانبين، غير أنه أغلق مجدداً.
اعتبارات سياسية
وحول احتمالات استمرار الإغلاق حتى ما بعد إلغاء تعريفة الكهرباء للاعتبارات السياسية التي تتحدث عنها لجان المقاومة بمختلف مناطق الولاية الشمالية، أوضح قدورة أنه لا يود استباق الأحداث، لكنه أكد أن حكومة الولاية تتعامل مع الوضع من زاويته المطلبية حتى الآن، مشيراً إلى الوعود الرسمية من الحكومة المركزية بالاستجابة لمطالب المزارعين، وتعديل تعريفة الكهرباء خلال أسبوع واحد، غير أن تأخر استجابة المركز من شأنه أن يولد مزيداً من التعقيدات الإضافية في القضية.
وكشف الوالي المكلف عن أن اتفاقاً جرى بموافقة كل الأطراف، على أن تكون التعريفة المنتظرة تدريجية وفقاً لحجم الاستهلاك، وسيتوجه وفد من الولاية إلى العاصمة الخرطوم حاملاً معه مقترحات بخصوص التعريفة الجديدة لكهرباء المشاريع الزراعية، كأول مرة تشرك فيها الحكومة الولائية في ذلك، بعد أن كانت خارج الصورة تماماً فيما جرى سابقاً، مبيناً أنه وعلى الرغم من تداعيات تعريفة الكهرباء فإن الموسم الزراعي بالولاية يعتبر مستقراً حتى الآن، باستثناء أن التكلفة الحالية للإنتاج ستكون عالية.
وعما يثار بشأن استخدام الطريق لتهريب المواد الخام وثروات وخيرات البلاد، قال قدورة إن تلك كلها قضايا ومسؤوليات تقع ضمن اختصاص الحكومة المركزية في الخرطوم، وليس حكومة الولاية، بيد أنه أكد أن الكثيرين من التجار والمصدرين والموردين وملاك الشاحنات من السودانيين تضرروا من إغلاق الطريق.
زيادات مدمرة
على الصعيد ذاته، أقر مالك محمد إبراهيم، مدير الزراعة السابق بالولاية الشمالية، أن الزيادة التي جرت في تعريفة الكهرباء فاجأت المزارعين وكانت مدمرة، وتعد هزيمة للأهداف الرئيسة لمشروع كهربة المشاريع الزراعية، الذي كان مفصلياً في تطور الزراعة بالولاية، وأثر بشكل مباشر في خفض تكلفة الإنتاج وإنعاشه بشكل كبير.
ويضيف، “جاءت الزيادة في توقيت حرج جداً، ومحصول القمح في أعلى مراحل الاحتياجات المائية بالري المتقارب لضمان ملء الحبوب، ما أشعر مزارعي الولاية أن أحلامهم تتبدد وهمتهم المتنامية تتقزم، بعد أن بدأت منتجاتهم تغزو أسواق العاصمة الخرطوم”.
ويزيد إبراهيم، “ما فاقم أثر زيادة تعريفة الكهرباء الزراعية هو أن الولاية الشمالية زراعية بالدرجة الأولى، ويمتهن السواد الأعظم من مواطنيها الزراعة، كما أن عمليات الري كأساس للزراعة تعتمد أساساً على سحب ورفع المياه، بداية من النيل لانحسار الزراعة على ضفتيه، صعوداً إلى التروس العليا والمياه الجوفية، حينما تطورت المضخات التي تعمل سابقاً بالجازولين، وانعكست المعاناة الكبيرة في توفير المحروقات وقطع الغيار سلباً على التوسع الأفقي الزراعي والتنوع المحصولي المنشود”.
ويردف مدير الزراعة السابق، “ظلت الولاية ردحاً من الزمان تنحصر في موسمها الشتوي والمستديم الذي يشمل الموالح والنخيل وغيرهما، غير أن مشروع كهربة المشاريع الزراعية كان بمثابة طوق النجاة للمزارعين، نتيجة الأثر الكبير الذي لعبه في خفض تكلفة الإنتاج والتوسع الأفقي للمساحات والتنوع المحصولي، إذ أسهمت المشاريع الاستثمارية في إدخال زراعة محصولات إضافية، كالسمسم وزهرة الشمس والقطن والفول السوداني والبطاطس والطماطم وغيرها من المحاصيل النقدية، كما شمل التوسع في زراعة أصناف جديدة من المانجو والنخيل النسيجي وبقية الموالح”.
تمدد الآثار السالبة
يؤكد إبراهيم أن الزيادة أثرت في تباعد عدد ريات المحصول، بالتالي لن يكون المنتج بالصورة المنشودة، فبعد أن كانت تكلفة المحور الذي يضم 120 فداناً في اليوم 3200 جنيه سوداني نحو (سبعة دولارات) بالسوق الموازية، قفز إلى 18000 جنيه (39 دولاراً)، في اليوم بسعر الكيلووات الجديد تسعة جنيهات (02. دولار)، أما بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب فقد يصل استهلاك نفس المحور إلى 42000 جنيه (88.5 دولار)، عوضاً عن 3200 سابقاً.
كذلك تمددت الآثار السالبة لزيادة الكهرباء، بحسب مدير الزراعة السابق، أيضاً إلى ارتفاع أجرة المياه للفدان في المشاريع الإعاشية من 8000 جنيه (17 دولاراً) إلى 25000 جنيه (53 دولاراً)، إذ ارتفعت تكلفة المضخات الكهربائية إلى أضعاف مضاعفة.
وانسحب ذلك بدوره على المزارع المستفيد الأول من الري، كما قفزت أجرة المياه بالنسبة إلى الري المستديم إلى ما بين الـ65000 جنيه (137 دولاراً) و90000 جنيه (189.5 دولار)، للموسم، بعد أن كانت من 15000 جنيه (31.5 دولار) إلى 20000 جنيه (42 دولاراً)، وكذلك زادت أجرة الري بالنسبة إلى الخضراوات من 20000 جنيه (42 دولاراً) إلى 45000 جنيه (95 دولاراً) بالسوق الموازية.
أصل الأزمة
واعتباراً من الأول من عام 2022، طبقت الشركة السودانية لتوزيع الكهرباء، زيادات جديدة فورية في أسعارها للقطاعات السكنية والزراعية والصناعية والتجارية.
وبلغت تعريفة القطاع الزراعي قبل أن تجري مراجعتها بتوجيه من المجلس السيادي، نحو 21 جنيهاً للكيلووات، مقابل 26 جنيهاً للصناعي، و27 جنيهاً للاستثماري، وأصبح السعر للقطاعات (الحكومي، والتجاري، والسفارات، والمنظمات والاتصالات) نحو 40 جنيهاً للكيلووات الواحد، الدولار يساوي 475 جنيهاً بالسوق الموازية.
غير أن سعر الكيلووات ما بعد المراجعة والتعديل أصبح للقطاع الزراعي المحلي تسعة جنيهات، والاستثمار الزراعي الأجنبي 22 جنيهاً، لكن السعر الجديد لم يرضِ المزارعين، ما دفعهم إلى التصعيد من جديد، بإغلاق طريق شريان الشمال، مطالبين بإلغاء تعريفة الكهرباء، كونها ذات تكلفة عالية على المزارعين البسطاء.