الناظر إلى تاريخ السودان الحاضر والغائب يوقن تماماً أن اكبر العقبات التي واجهت حكومات السودان المختلفة وشكلت اكبر خطر على النخب السياسية والعسكرية ، وهددت بقاء اقوى الحكومات والشخصيات السودانية منذ أول حكومة ترأسها الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري إلى أخر حكومة الوفاق الوطني برئاسة المشير عمر حسن احمد البشير مروراً بحكومة المشير جعفر محمد نميري والفريق ابراهيم عبود والإمام الصادق المهدي ومن ثم حكومة حمدوك الحالية ، يجد أن العقبة الحقيقية لهذه الحكومات هي عقبة الاقتصاد وعدم النمو ، وفي رأي استطاع المستعمر الذي تحول إلى قوة عالمية أن يضع لجام يسيطر من خلاله على كل الدول ذات السيادة و بنى ثقافة عدم الإنتاج والانشغال بحرف هامشية . ونحن كشعب سوداني سريع التطبع ، أكثر الدول التي ظللنا حبيسين لهذه الدائرة رغم التقدم في العلوم والمعارف ، ورغم مواردنا التي تكفي العالم أجمع إذا تم استغلالها بدراية ووعي ونظرة وطنية خالصة تهدف الى تقدم السودان ونهضته. لكن للأسف ، كل ما فتحت الطرق إلى النهضة والنمو الاقتصادي نجد ايادي خفيه تغير المسار إلى طريق آخر بعيد تماماً عن الأزمة الاساسية والواقع المطلوب ، وهذا ظاهر لكل من يتابع الشأن السوداني ، و بآن أكثر في حكومة الثورة الحالية والتي خرج الشباب في الأساس من أجل غلاء المعيشة وقفة الملاح وصفوف الخبز ، ولكن تغير المسار إلى إقصاء وحريات وشعارات لا تغني ولا تسمن من جوع ، مما يؤكد ما أشرنا إليه . كذلك بآن في حكومة الإنقاذ الوطني وهي أكثر الحكومات التي اتيحت لها فرص كبيرة في النمؤ الاقتصادي وإزدهاره حتى وصل السودان في سنين الإنقاذ الاولى الى الاكتفاء الذاتى من القمح والسلع الاستهلاكية بشكل يومي ، رغم نسبة التضخم العالي التي ورثها وزير المالية وقتها دكتور عبدالوهاب محمد عثمان ولكن استطاع ذلك الرجل في بناء اقتصاد مستقر نسبياً وحاله من الانتعاش واستقرار الجنيه مقابل الدولار ، ووضع وقتها خطة مميزة لكن نفس الايادي تدخلت حتى أجبر سيادته على الاستقالة والدموع على خدوده حرقة لأمر هذا الوطن المتهالك وبقدرة قادر تحولت الإنقاذ إلى شعارات امريكا روسيا قد دنى عذابها ، و حملات من العداء الخارجي وتشطين الأحزاب والشخصيات السودانية وانتقل عائد بترول الجنوب إلى دعم مباشر للسلع والوقود والحروب ، حتى نسوا مستقبل السودان وكل التفكير أصبح تفكير أني ووقتي . وتناسوا الخطة الاستراتيجية وأصبحت كل خطط الدولة والميزانيات هي نفس خطة العام المضى مع اضافات بسيطة وهي سياسة تعرف ( بمطلوب منفذ ) يعرفها طلاب الوطني والامانات الفئوية في الحزب ، دون النظر للواقع الجديد والمتغيرات وصناعة طرق إبداعية جديدة لدعم الإنتاج ووضع بدائل في حالة اي خلل تم لأي مورد . لذلك نجد الاقتصاد تدهور جدا في سنين الحكومة الأخيرة ، ووصل إلى مرحلة الانهيار في الحكومة الحالية ، رغم وعي جهات للواقع ودعمها لسياسات رفع الدعم التي كان لابد منها لبناء اقتصاد معافى وإزالة التشوهات والبحث عن بدائل جديدة لمضاعفة الإنتاج خصوصاً بعد فقد بترول الجنوب و معيقات الزراعة والمشاريع الانتاجية الكبيرة وكمية المشاكل والديون الموروثه منذ الاستقلال لكن سوء تخطيط تلكم الجهات اتجهت لسياسة رفع الدعم مباشر وليس تدريجياً على مراحل ومنها تتبني مشاريع إنتاجية جديدة وجمعيات تساهم في حل أي عقبات تقابل الأثار المترتبه على رفع الدعم . لذا عزيزي المواطن اعلم أن المشكلة الأساسية في السودان هي ليست قضية هامش وجلابي ولا زرقه وعرب ، ولا مشكلة هوية وفساد ولا مشكلة دين ودولة ولا كوز وقحاتي ، قضيتنا الأساسية هي الاقتصاد و اي حكومة تهتم بغير ذلك فاعلموا ان الايادي الخبيثه تدخلت لتغير مسارها لنظل مساجين في نفس الدائرة . ومن يظن أن السودان فقير فهو جاهل ولا يعرف عن هذه البلاد شيء واعلم عزيزي القارئ بأن موسم زراعي واحد فقط قادر أن يخرجنا جميعاً كسودانيين من دائرة الفقر . وسنواصل .