*حاجب الدهشة*علم الدين عمر..* ستموت في العشرين أم ديسمبر الحزين؟

.. جمعتني مع الصديق الحبيب أبو حباب محمد عبدالقادر بالأمس مع أحد الأصدقاء الأعزاء من كبار رجال المال والأعمال وأحد أساطين الزراعة والصناعة في السودان جلسة .. ولنا في تحسس مكامن الرأي ومظان الدقة في التحليل والقراءة في ليل الخرطوم الداجي ونهارها الساكن براحات من وجل وجزع تكلله الأشواق في إستقراء الأمل من أفواه العالمين ببواطن الأمور.. وخاصة في الجوانب التي تتباعد عن السياسة وتقترب من واقع الحال المجرد.. وقد صدمنا الرجل غفر الله له بجملة واحدة جبت ما قبلها من قول وشكلت ملامح الطريق لما بعدها من الحنك المطقوق علي قارعة العشم.. قال صديقنا إنه يتوقع أن تجوع البلاد في ديسمبر المقبل.. هكذا قولاً واحداً.. وعلي ما في القول من حدة وخشونة.. ومباشرة.. و خطورة تطل الحقيقة العارية من خلفه وصديقنا يحدثنا عن تراجع المساحات التي كانوا يزرعونها لأقل من الربع هذه السنة (كانت مئات آلاف الأفدنة) وتدني الإنتاج المتوقع نتيجة لتأخر الدولة في إستجلاب الأسمدة والتواريب وتحضير الأرض وتطهير القنوات.. وتدني الروح المعنوية للمزارعين والمنتجين والممولين والمتعاقدين نتيجة لتراكم الديون وإنهيار البنية التحتية للزراعة في السودان.. حدثنا الرجل عن تراجع أحلامهم كرجال أعمال وطنيين في إنقاذ الموسم الحالي بعدما مضي الزمن.. والزراعة مواقيت.. وبدا يائساً من فكرة إيجاد مخرج إسعافي في ظل إنسداد الأفق السياسي والتردي الإقتصادي وغياب الرؤية الوطنية لتدارك الأمر.. قالها بلا تردد.. سنجوع في ديسمبر والدمع يكاد يطفر من عينيه.. وما لم يقله كان أكثر..كما قالها باباغانا أحمدو، ممثل منظمة الأغذية والزراعة في السودان نصاً : “في عام الحصاد 2021/2022، كان السودان قادراً على إنتاج 5.1 مليون طن من الحبوب، وهو ما يكفي لتغطية احتياجات أقل من ثلثي السكان.. إذا لم يتلق الموسم الزراعي الجاري دعماً قوياً من خلال المدخلات الزراعية وخدمات الثروة الحيوانية فقد يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من إنعدام الأمن الغذائي بشكل كبير إلى مستويات غير مسبوقة ويؤدي في النهاية إلى مزيد من الصراع والنزوح.. إذ بينما يعتقد البعض أن السودان بمنأي عن الصراع الدولي في أوكرانيا منكفئاً علي ذاته في صراع الناشطين الذين يناطحون طواحين الهواء الفارغة كأدمغتهم تقول التقارير الدولية أن شبح الجوع يهدد بالفعل ملايين السودانيين في ظل الإضطراب الإقتصادي وأرتفاع الأسعار وقلة المحاصيل وتذبذب مستوي الأمطار والحرب في أوكرانيا وتراجع الدعم الأجنبي ودخول السودان في قلب دائرة الإستقطاب والإبتزاز الممنهج.. الأمم المتحدة التي تحاول التدخل في مسام العمل السياسي عبر البعثة المشتركة أعربت عن (قلقها) كما هي العادة من تزايد عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي وإرتفاع وتيرة الفقر وقلة الإنتاج.. و(الجووع).. هذا قول البنك والمنظمة الدوليين وصاحبي رجل المال والأعمال زراعة وصناعة وقد تلمست بنفسي قول الترع والقنوات والحواشات والبلدات والجنائن بمشروع الجزيرة التي تحولت لمساحات من الأراضي العطشي يؤمها نفر من الغلابي المديونين الذي تقطعت بهم السبل وأعيتهم الحيلة في إنتظار حالمين لا علم لهم ولا عمل ولا منطق.. سنجوع في ديسمبر العبارة الأكثر رهبة في نفسي في مسيرة الأزمة السودانية الحديثة لأنها تعني ببساطة إنهيار ما تبقي من آمال وأحلام في تدارك النسيج المجتمعي فالجوع كافر وليس بعد الكفر ذنب.. ولا أدري ما الذي تفعله الدولة حتي الآن في قاعاتها الباردة وحواراتها المملة المكرورة مع السياسيين الفشلة بينما تواجه البلاد شبح الجوع والإنفلات الأمني والأخلاقي.. قال صديقي أننا سنجوع في ديسمبر وهو علي الأبواب.. وعلي الأبواب كذلك حزننا المصلوب علي شواهد المجد الآفل.. وسلة غذاء العالم وأرض النيلين يتهددها الجوع في ديسمبر.