> فى الحلقة الثانية تحدثنا عن التطور الكبير الذى طرأ على نظم انتاج المحتوى عبر دخول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى لعالم الصحافة والاعلام واليوم نتحدث عن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى ..
> شق الذكاء الاصطناعي طريقه إلى صالات التحرير الصحفي قبل عدة أعوام عندما أعلنت وكالة “أسوشيتدبرس”، بالتعاون مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، ابتكار أول محرر روبوت مختص بتحرير أخبار الطقس، ونشرة المرور على الطرق السريعة٬ وتطبيق “Quil” الذي يكتب التقارير السنوية لكل من مجلة “فوربس”، و”إيريكا” مذيعة الأخبار اليابانية، والمذيع الروبوت الملقب بـ “المذيع التراكبي” في الصين الذي يحاكي “جان جاو” المذيع الحقيقي في وكالة أنباء “شينخوا”، و”روزي” الأداة البرمجية التي تحلل طلبات الإنفاق لكل عضو من أعضاء الكونجرس الأمريكي، الأمر الذي شكَّل نقطة تحول كبيرة في عالم الإعلام، ومن المرجح أن يقدم لنا تحديات أخلاقية غير مسبوقة تاريخيًا.
> وفي أبريل ٢٠١٧، نشرت وكالة أسوشيتدبرس تقريرًا بعنوان “تأثير الذكاء الاصطناعي في الصحافة” تحدثت فيه عن ترسخ ما أطلقت عليه “الصحافة المعززة” Augmented Journalism، وفي التقرير يذكر فرانسيسكو ماركوني، مدير التطوير والاستراتيجية بالوكالة، “إن مستقبل الأخبار سوف يعتمد على عمل الصحفيين جنبًا إلى جنب مع الآلات الذكية”، ربما يتطلب هذا من المؤسسات الصحفية الاستعانة بعلماء اللسانيات والبرمجيات ومطوري البرمجيات والتطبيقات الذكية؛ لكي تصمد أمام طوفان الذكاء الاصطناعي.
> ويشير مصطلح “الصحافة المعززة” إلى أنه بات من الصعب الفصل بين الواقع والشبكات الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكية، حيث أصبح كل ذلك يندرج تحت مسمى حقيقة مدمجة Compact Reality؛ لذا بات على القائم بالاتصال أن يطور من مهاراته في الاستعانة بوسائل التكنولوجيا الحديثة؛ فهناك تقنية توليد النصوص Text Generation، التي تستهدف صنع نصوص مكتوبة من معلومات أولية، كالبيانات الجرافيكية والصور البيانية وغيرها، ويعطي موقع “ستاسشيت” الأميركي للإعلام الرياضي نموذجًا للصحافة التي تعتمد على الأساليب المؤتمتة الذكية لصنع مواد صحفية بصورة آلية كليًا.
> وقد شاع استخدام الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية إلى الحد الذي دفع الباحثين، في معهد مستقبل الإنسانية في جامعتي أوكسفورد البريطانية وييل الأمريكية، إلى إجراء استبيان رأي شمل ٣٥٢ عالمًا من علماء الكمبيوتر، دار حول تنبؤاتهم حول التقدم الذي يمكن أن يصل إليه الذكاء الاصطناعي خلال النصف قرن المقبل، وكانت النتيجة صادمة؛ إذ اتفقت الأغلبية على أن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على البشر، وسيتمكن من أداء المهام البشرية.
> وتتمثَّل التجربة البارزة لاستخدام الخوارزميات، في العمل الإعلامي في مصر، في تجربة مجموعة مواقع “سرمدي”، وهي بوابة فنية ترفيهية٬ يقول عنها جورج صبري رئيس تحرير المجموعة: “إن بوابة أخبار الترفيه العربية قدمت لمستخدميها أداةً جديدةً تتيح للمستخدم معرفة مواعيد أكثر من مائة برنامج من ثلاثين قناة في المنطقة العربية؛ وذلك بهدف تقديم متابعة تلفزيونية أسهل، لذا أطلقت أول “بوت”(bot) لدليل التلفزيون في رمضان، عبر “تويتر”، وهو عبارة عن تطبيق ذكي يتيح خاصية الرد التلقائي على أوامر معينة عبر الإنترنت؛ فعند استعلام المستخدم عن مسلسل معين، يزوده “البوت” بمواعيد عرضه، ومعلومات عن طاقم العمل، وعند اختيار المستخدم لطاقم العمل على سبيل المثال، يحصل على قائمة بأسماء الممثلين في المسلسل، بالإضافة إلى روابط إلى حساباتهم الخاصة على “تويتر”، ويتم ذلك من دون جهد وفي أقل من الثانية؛ مما أسهم في زيادة عدد المشتركين على صفحة الموقع على “تويتر” بنسبة 50%، وزيادة نسب تصفح الموقع بنحو ١٣٠٪.
> في هذا الإطار جاءت الدراسة المهمة للدكتورة بسنت عطية المدرس بكلية الإعلام واللغة بالأكاديمية العربية للنقل البحري بالإسكندرية، والتي استهدفت التعرف على مدى تقبل القائمين بالاتصال في مصر لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام.
> وتحدثت د. بسنت عن استخدامات تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام؛ حيث ذكرت ليزا جبس، مسئولة إستراتيجية الذكاء الاصطناعي في وكالة أسوشيتدبرس، في منتدى الإعلام العربي بدبي ٢٠١٨: “إن الذكاء الاصطناعي يحمل كثيرًا من التطوير لعالم الصحافة والإعلام على صعيد الكم والكيف، حيث يمكن استخدامه لإنتاج كم هائل من القصص الإخبارية، مقارنةً بما تنتجه وكالات الأنباء، من خلال تحويل البيانات والأرقام إلى نصوص، وكذلك تحويل النصوص إلى فيديوهات تلخص الحدث، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لعمل قوالب متعددة تعالج نفس الخبر من جوانب متعددة، كعمل تغريدات وعناوين، وتلخيص مختصر للقصة الخبرية، وكتابة نُبذة عن أبطال الحدث، مشيرة إلى دخول الذكاء الاصطناعي بقوة في عالم الترجمة من خلال ترجمة الفيديوهات والنصوص إلى أكثر من لغة، وإنتاجها بوسائط متعددة لتناسب كافة المنصات والأجهزة الذكية، ومساعدة الصحفيين في التعرف على أسماء المسئولين من خلال تقنيات التعرف عبر الصور”.
> وهناك منصات إخبارية عريقة أخرى تعمل على مشروعات تقنية متقدمة لتطوير عملية استخراج المحتوى الإخباري وكتابة القصص والأخبار الصحفية، مثل “واشنطن بوست” التي طورت مفهوم الصحافة الآلية، ومنصة “سي إن إن” التي تستخدم نظام “شات بوت” أو “الدردشة الآلية” لإرسال تقرير يومي للحسابات في “فيسبوك ماسنجر” عن أهم الأخبار المهمة بناء على اهتمام الجمهور، كذلك تقوم صحيفة “الجارديان” بالشيء نفسه، أما صحيفة “نيويورك تايمز” فهى تعمل أيضًا على تقليص عمليات بناء القصص الصحفية والأخبار عبر مشروع محرر (Editor) الذي يقوم على تحليل المحتوى وفهمه عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.
> ويرى خبراء الصحافة أن الصحفيين يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات وفقًا لموقفهم من صحافة الروبوت؛ الفئة الأولى تعتقد بأن الروبوتات لن تحل محل الصحفيين البشر؛ لأنها تواجه قصورًا حاسمًا بالنسبة للأدوار التي يمكن أن تقوم بها على الصعيد الصحفي. وثمة شك كبير في أن الروبوتات ستكون قادرة على فهم الفوارق البسيطة أو الدقيقة أو قراءة ما بين السطور، وهى الخطوات الرئيسة في تحديد عناصر القصص الإخبارية، إلى جانب ذلك فالروبوتات لا تستطيع تحمل المسئولية عن محتوى القصص الإخبارية التي تُعِدُّها؛ لأن هذه العملية تتطلب استقلالية أخلاقية، الأمر الذي لا يتوفر لدى الروبوتات.
> أما الفئة الثانية من الصحفيين فتقف موقفًا عدائيًّا واضحًا من صحافة الروبوت، وتعمل على مقاومتها، وتعتبرها منافسًا لها، فضلًا عن رفضها لصحافة الروبوت باعتبار أنها ستكون سببًا محتملًا لتخريب نوعية الصحافة، وتنظر هذه الفئة بعين الريبة للأفكار التي يتم تداولها، والتي تشير إلى أن الإقبال على صحافة الروبوت سيتيح للصحفيين التركيز على كتابة مقالات وقصص أكثر عمقًا.
> وتنظر الفئة الثالثة إلى صحافة الروبوتات بشكل إيجابي، ويعترف مؤيدو هذه الفئة بوجود حدود لهذا النوع من الصحافة، وتقدِّم هذه الفئة سيناريوهات إيجابية، من بينها أن صحافة الروبوت تساعد على ظهور قصص إخبارية منقحة، وتطوير أخبار متعمقة، كما تتيح للصحفيين أوقاتًا إضافية للقيام بمهمات أكثر أهمية مما يمكن أن تقوم به صحافة الروبوت ..
> و نواصـل عقب عطلة عيد الفطر المبارك بمشيئة الله تعالى ، كل عام وانتم بخير ..
الاحد 1 مايو 2022م
musapbrear@gmail.com