البعـــد_الاخـــر || مصعب برير يكتب… مكافحة الفقر في السودان هل تنجح سياسات الجزر المعزولة (1) ..!!

> من مقولة ارسطو “الفقر هو مولد الثورات والجريمة” إلى قولة سيدنا علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – “لو كان الفقر رجلا لقتلته”، تواجد الفقر وأسبابه واحدة، تكدس الثروة في أيدي قلة نتيجة اختلال ميزان السياسات الاقتصادية ويكون الفقر متلازمة حتمية له، يعرف الفقر بانه عدم مقدرة الأفراد في الحصول على احتياجاتهم الأساسية، ويعنى بالاحتياجات الأساسية جميع الأمور التي تعتبر ضرورية للإنسان من أجل البقاء، وتعكس مستوى المعيشة السائد في المجتمع، لذلك عندما يراد تحديد فئة الفقراء الذين يعيشون في مجتمع ما، يتم أولاً البحث عن جميع الأشخاص الذين وصلوا إلى حدود المجاعة، والمعرضين للموت، ثم بعد ذلك يتم البحث عن جميع الأشخاص الذين يمتلكون الغذاء والمسكن والملبس التي تمكنهم من البقاء على قيد الحياة، ولكن ليس بالمستوى المقبول الذي يعيش به باقي أفراد المجتمع، ويؤثر الفقر على العديد من مناحي الحياة، حيث يؤدي إلى التقليل من مستويات التعليم، سوء الصحة وضعف الإنتاج ..!!

> كنت قد كتبت سلسلة مقالات عن الفقر بذات العنوان بدا من 5 يونيو 2018م ، تناولت فيها حينها نقاط ضعف سياسات مكافحة الفقر التى ظل القائمون على امر تنفيذها فى بلادنا يتخيرون الاولويات التى يحددها السياسيين وبرامجهم الشعبوية التى دوما ما تنتهى دون أثر يذكر على أرض الواقع لعدم مخاطبتها جزور المشكلة الاساسية أو خطوات علاجها الفعالة ..!!

> بلغت نسبة الفقر في السودان 36.1% وفقا لنتائج المسح القومي لميزانية الأسرة والفقر للعام 2014-2015 حيث بلغت نسبة الفقر الأدنى (المدقع) بالحضر 22.6% وبلغت في الريف 26.5% وأشارت النتائج إلى وقوع واحد من أصل أربعة أشخاص تحت خط الفقر المدقع أي نسبة 25%، فيما بلغت نسبة الفقر الأعلى في الحضر 37.3% وبلغت في الريف 35.5% ، والان للاسف دخلت قطاعات كبيرة لخط الفقر على راسها الموظفين والعمال وذلك بفعل السياسات الاقتصادية التى تبنتها حكومة الفترة الإنتقالية تنفيذا لفاتورة صندوق النقد الدولى ، والاخطر هو تآكل مدخرات الناس جراء التضخم المهول ، مما ادخل قطاع كبير من صغار المنتجين والتجار تحت خط الفقر ، وقد حذرت الامم المتحدة من إنتشار الجوع الحاد بالسودان ..!!

> تابعت فى الايام الماضية جهود وزارة التنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم فى مكافحة التسول بمبررات مختلفة ، ولكن لم تتطرق الحملة من قريب أو بعيد للفقر كسبب رئيس ليس لتفاقم تفشى هذه الظاهر بشكل مخيف فحسب ، بل فى إنتشار ظاهرة النهب العنيف أو ما يسمى بـ 9 طويلة وغيرها من الجرائم التى أصبحت سيدة الموقف الان ، فكان الاجدى بهذه الوزارة الاهتمام بالمرض وهو الفقر وليس العرض وهو التسول والذى حتما سينحسر وسيسهل السيطرة عليه ان سيطرنا على الفقر ..!!

> هناك تجارب عالمية ناجحة فى مكافحة الفقر ابرزها الصين التى استطاعت عبر تطبيق سياسات بسيطة اخراج 700 مليون مواطن من دائرة الفقر ، وايضا البرازيل و العديد من دول شرق أسيآ ، يمكن الاقتداء بسياساتها لبلورة استراتيجية وطنية فعالة مكافحة الفقر تستصحب ايقاف جميع مهددات الفقر المختلفة ..!!

> سبق ان تشرفت بالمشاركة فى مراجعة وثيقة السياسة الوطنية لمكافحة الفقر التى طرحتها وزارة التنمية الاجتماعية ، وكنت مختصا بمحورى المحددات الاجتماعية للصحة والبيئة فى سياسات مكافحة الفقر وكانت وثيقة قيمة ان كتب لها التطبيق ، و يمكن الاسترشاد بها لبلورة استراتيجية وطنية متكاملة للتصدى للفقر ..!!

> بالطبع يعد مكافحة الفقر إحدى المهام الأساسية لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي وبالتالي تشرف الوزارة علي المؤسسات المعنية بمكافحة الفقر (ديوان الزكاة، هيئة التامين الصحي ومفوضية العون الإنساني) ، وجميع هذه الجهات لديها مشروعات مختلفة لتحقيق أهدافها يجب ان يتم تصويبها وفقا للاستراتيجية القومية لمكافحة الفقر ، فضلا عن ضرورة تشبيك جميع الجهات ذات الصلة بمكافحة الفقر عبر آلية تنسيقة تشرف عليها وزارة التنمية الاجتماعية ايضا ..!!

> وما يخيف الان فإن المؤشرات الكلية تؤكد تفاقم نسبة الفقر ودخول قطاعات جديدة “ولو بصورة مؤقتة” جراء الازمات الاقتصادية والسياسات الاقتصادية القاسية التى يتم تطبيقها الان بالسودان ، مما يستدي بلورة تدخلات فعالة ومرنة للتخفيف عن صدمة الفقر ومساعدة الشرائح الأكثر تاثرا للعبور من عنق الزجاجه بسهولة ويسر مع توجيه جميع القطاعات الإنتاجية للاستجابة لمطلوبات مكافحة الفقر كاولوية أساسية .. ان التراجع المستمر في مؤشرات الفقر تدل علي ان هذه النظم لازالت تعمل بمنهج الجزر المعزولة واطفاء الحرائق وتبني منهج الاحتفالات والتدشينات التي تنتهي بانتهاء مراسم الدفن .. فلابد من مراجعه فعالية سياسات مكافحة الفقر الان قبل أي وقت مضي ..!!

> ونواصــــل ..!!