الإذاعية أمل أحمد شداد، تكتب مشاهدات عن الصلح الأكبر في كادقلي الكبرى
أشرقت الشمس من هنا وتناثرت على رباها درر الأمل من جديد ..
تلك الباسقة الشامخه التي لطالما أوجعها الزمان، وتقاطرت على صخورها نقاط الدماء، وتفتقت فيها جراح اليتم والفقد والفقر، حينما تبختر فيها طاغوت الحرب، فأفزع الأمن، والسلام فهربا، ولكن كانت للرجال مقولة، مقولة في الحق وإصرار على تمزيق دفاتر الخلاف حينما ولدت آلية متخصصة معنية بوقف العدائيات وتعزيز التعايش السلمي بين مكوناتها الكبرى..
إنها ولاية جنوب كردفان بكل محلياتها، فقد كتبت تأريخاً جديداً خلده يوم الأحد العشرون من مارس 2022م، الذي كان عرساً جمالياً حكى عن ملامح السلام والتعايش والتمازج القبلي، ذلك عندما غنت على سمائها ملائكة السلام، وكانت غيوم الفرح مطراً تعافت من خلاله القلوب واخضَّرت سماحة وتسامح، فبكى الجميع
حينما صدح (أنجالي أبكر كموكو) رئيس آلية التصالحات بقوله:
إن من يعتبر بأن السعي وراء السلام جريمة،، فليشهد التاريخ بأننا مجرمون..
لقد كان الأحد العشرون من مارس 2022م يوماً مشهوداً حفرته ولاية جنوب كردفان، التي يحتضن وجدانها كل أطياف السودان.
مسحت محلية كادقلي عن أعينها رمد الخلافات وكحَّلت رموشها بضياء السلام والتعايش الاجتماعي وعقدت العزم على تجاوز مرارات الماضي بكتابة سطر جديد في سفر التسامح، فعقدت مؤتمراً للتصالح بين جميع مكونات محلية كادقلي الكبرى..
كان يوماً شعبياً خالصاً تأنَّق بحضور رسمي قاده والي جنوب كردفان المكلف الأستاذ موسى جبر محمود، ونائبه الرشيد عطية، وما بين الرجل أكثر من تحدي ينتظر التناغم والتفاهم وتنسيق الجهود والمواقف، وهي مهمة شيقة وشاقة في آن واحد ينتظرها المواطنون وأصحاب المصلحة وقد بدت على محيَّاهم واكتست ملامحهم أشوق السلام والحنين إلى الحياة الآمنة والكريمة،،
جمع غفير شيباً وشباب، نساء وأطفال، تدفق الجميع كموج البحر، والفرح يتقاطر من سحناتهم ويندلق كحبات الندى..
يرقصون على إيقاعات السلام تحت زمهرير الشمس، يضربون الأرض بقوة،، رقص وضرب وعنفوان يؤكد ألا عودة مجدداً إلى الحرب، ومن جرب الحرب يشتاق إلى السلام،
لوحة متجانسه يمتزج فيها كل أهالي ولاية جنوب كردفان يلتفحون ثوب الوحدة والألفة والمحبة
كان السودان كله حضوراً من خلال ذلك التنوع المشهود، كل قبائل السودان كانت هنا، معتصمة بحبل الحب ومتمسكة بقرار السلام، لتأتي بنود الاتفاقية بلسماً شافياً لجراح السنين وطعمها المر
المجموعه ( أ)
والمجموعه (ب)
يشهد الله أن لا فرق بينهما إلا هذه الأحرف،، إنهم بنفس السحنات وذات الملامح،، لا يستبين لك فرق واضح
حتى وأن ألسنة الحضور كانت تتحرك بالسؤال الدهشة،، وما الفرق بين المجموعتين؟
قاتل الله الحرب
الأمير كافي طيار البدين على رأس المجموعة ( أ)
قال إنه لا عودة للحرب مرة أخرى
وإن ما بينهما لم تكن هنالك خلافات
فإنهم يتقاسمون المسارات والمراحيل،، ( وبالجودية) ينتهي كل شيء
الأستاذ عطايا يحيى كان علي رأس المجموعة (ب)
أكد على أن التنوع غير المشروط هو الذي يسود ولاية جنوب كردفان
وتلى من الوثيقة ما يؤكد جازماً ألا عودة إلى مربع الحرب مهما كلف الأمر
إن المتصفح لملامح الحضور يخرج بانطباع مذهل عن حجم الفرحة بالسلام والوفاق ولابتعاد إلى الأبد من سوح الحروب
فالموت الزؤام قد باع في الناس واشترى،، ..
هذا ما أكده الأستاذ موسى جبر محمود والي ولاية جنوب كردفان، وأردف بأنه بعد اليوم لن يكون في شرعتنا عرب ونوبة،، فكلنا أهل جنوب كردفان،، كلمات تعالت معها زغاريد النساء ورُوراي الرجال وصرخات الأطفال وانتحاب البعض ممن فقدوا في الصراعات أعزاء وأصدقاء، وكل جنوب كردفان فقدت أعزاء،، ولكنها لن تعود مجدداً إلى الحرب، فالعناق الحار بين الجميع يؤكد هذه الحقيقة ويبلور رغبة الناس للسلام والمحبة والوئام،،
وزاد الوالي موسى جبر من تدفق المأقي في الدموع حينما أعلن العفو العام عن مرتكبي الجرائم، وزاد كيل بعير بأن وجه بتوفير فرص العمل من أجل الكسب الحلال، ليتعانق الجميع من جديد، ويغسل دفء المعانقة كل ما كان قد علق في النفوس من مرارات..
تميز مؤتمر الصلح بين مكونات محلية كادقلي الكبرى، بمشاركات فاعلة من الولايات المجاورة لجنوب كردفان، فحضرت وفود من ولاية شمال كردفان ومن غرب كردفان، ذلك أن سموم الحروبات كانت قد سرت بتداعياتها إلى هناك، فكردفان الكبرى جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى،، وكانت لمشاركة العمد والأمراء الأثر البالغ والانطباع العميق،،
قبيلة الشنايلة شكلت حضوراً لافتاً بقيادة الأستاذ أحمد الأمين العالم، رئيس مجلس هيئة شورى قبيلة الشنابلة بولاية كردفان الكبرى، أتى أستاذنا أحمد الأمين العالم، إلى كادقلي محمولاً على أكتاف الجود والشهامة والكرم، جاء مشاركاً بعدد 10 من الإبل نحرت في هذا اليوم المشهود، ومثل شهامة وجود الأستاذ العالم، كانت هناك نماذج الجود الكردفاني الأصيل من بعض الأمراء والعمد وأعيان القبائل، جاءوا وفي معية الكثير منهم قطعان من الماعز والضان.
لقد فتحت هذه المشاركات الناضحة بعبيق الجود والكرم، صفحات جديدة في سفر العلاقات الاجتماعية والتعايش السلمي، يشهد عليها سِفر التأريخ الناصع بكردفان الجنوب..
انعقد الصلح، ووقعت اتفاقية السلام، وأقسم الجميع على إحياء التحالفات القديمة بكتابة عناوين وصياغات جديدة..
يوافق الشباب، ويفسح المجال مرة أخرى ( للقرون والجرون)
حتى يمارس طقوس المحببة في سوح ملؤها الأمن والأمان،،
شكراً جنوب كردفان..