مستثمر: حرموني من الاستثمار في الحديد ولا أعرف السبب
فني جيلوجيا: هذا المستثمر حتى وفاته لم يمنح تصديقاً
الجيلوجيا: 52 مليار طن حجم احتياطي الحديد في السودان
طوال فترة الإنقاذ التي امتدت ثلاثين عاماً لم نشهد أي استثمارات ضخمة في مجال تنقيب الحديد الذي تزخر به بلادنا ويملأ باطن أرضها شرقها وغربها وجنوبها وشمالها, وتركز معظم اجتهاد الإنقاذ في الاستثمار في الذهب والذي لم تظهر نتائجه في اقتصاد البلاد المنهار منذ عقود..
كان بالإمكان التركيز على التنقيب عن الحديد خاصة وأن كل مصانع الحديد في بلادنا تعتمد على خردة الحديد بإضافة للخام المستورد.. الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لأسواق الحديد الخردة في معظم الأحياء لتغذية تلك المصانع .
يا ترى لماذا عجز النظام البائد عن التنقيب في الحديد؟ ولماذا حجزت مواقع الحديد بأسماء أشخاص نافذين، وهل كانت الإنقاذ تظن بأنها ستبقى مدى الحياة لتمنع الاستثمار في الحديد ليكون احتياطياً لها؟
إعادة تدوير للخردة
تحصلت على دراسة أجرتها وزارة المعادن السودانية أشارت فيها إلى عدم وجود صناعة للحديد بالبلاد، وقالت إن ما يجري عبارة عن إعادة تدوير للخردة وتصنيع لقطع جاهزة تأتي من خارج السودان ويعاد تصنيعها بالداخل.
شروط تعجيزية
عمار سيد أحمد شليعة مدير عام الجيلوجيا السابق بالبحر الأحمر، رد على تلك الأسئلة بقوله: النظام البائد كان يضع شروطاً تعجيزية للمستثمرين في مجال الحديد كشرط المقدرة المالية التعجيزية، وأن تكون المنطقة خالية من النزاعات، وأضاف بقوله: من الأسباب الأخرى تفشي الرشاوى وضعف الأمانة عند المسؤولين .
وقال في حديثه لي: حسب علمي فإن معظم تصديقات الحديد كانت تمنح لنافذين في الناظم البائد، بل منحت كذلك لأبناء أسر شهيرة بأمدرمان ولزوجات مسؤولين ..
وأضاف: معظم المساحات التي يتوافر فيها الحديد محجوزة لشركات ومؤسسات خاصة بنظام الإنقاذ مثل شركة جياد ولا يسمحون للإخرين بالولوج إليها ..
مناطق الحديد
وحول أماكن تواجد الحديد في السودان، قال: الحديد يوجد في مواقع عديدة وبكميات ودرجات نقاء مختلفة. وتنقسم احتياطيات الحديد إلى نوعين أساسيين هما رسوبي وهو الأكثر شيوعًا في السودان ويتواجد في شمال السودان ونهر النيل في مناطق البجراوية، وحلفا القديمة، وأرقين، والعقب، إضافة إلى ولاية الخرطوم في شرقها وغربها .
مضيفاً: النوع الآخر يأتي مصاحباً الصخور البركانية والحمم الحاوية للخامات، ويتواجد في جبال البحر الأحمر، وفي الولايات الغربية، بالإضافة إلى منطقة صحراء بيوضة بولاية نهر النيل.
52 مليار طن
النظام البائد كان قد أعلن على لسان المدير العام الأسبق لهيئة الأبحاث الجيلوجية محمد أبو فاطمة عن اكتشاف كميات ضخمة من الحديد في مناطق متفرقة من السودان قدرها بنحو 52 مليار طن، وقال: في العام 2016 إن الحكومة تبحث مع روسيا والصين ومصر مسألة توطين صناعة الحديد في السودان لاستغلال هذه الكميات الضخمة.
ورغم تصريح أبو فاطمة إعلاه والذي صدر في العام 2016، إلا أن النظام البائد لم يتقدم خطوة في المجال وظلت مواقع الحديد بكرًا إلى تاريخ اليوم .
صعوبات جمة
تحدث لي عدد من مسؤولي شركات استثمارية وطنية وأكدوا أنهم وجدوا صعوبات جمة في الاستثمار في مجال الحديد في السودان، وكان عندهم الاستعداد الكامل لرفع موارد البلاد، وقال مدير عام إحدى تلك الشركات ــ رافضاً ذكر اسمه ــ إنهم تقدموا بطلبهم قبل عشرات السنين ولكنهم كانوا يجدون التماطل، مشيراً إلى أن النظام القديم كان يخطط لتكون كل ثروات البلاد في حوزته لأنه كان يثق ثقة مطلقة بأنه سيحكم لمئات السنين ..
سرقات
عثمان بابكر أحمد أحد تجار الخردة، تحدث بقوله إنه يستغرب من عدم وجود استثمارات ضخمة في مجال الحديد، وقال إن شح الحديد جعله سلعة نادرة وأصبحت هنالك تجارة رائجة لحديد الخردة، حيث ارتفعت أسعارها وأصبحت هنالك أسواق ضخمة لخردة الحديد.
وأضاف بقوله: السرقات التي نسمع بها كسرقات كيبلات الكهرباء وقضبان السكة الحديد وسرقات أغطية المنهولات من البيوت.. وسرقة أبواب وشبابيك بيوت الصحافيين بالوادي الأخضر وغيرها من السرقات تؤكد أن خردة الحديد لها سوق كبير .
التوطين
المستشار الإعلامي الأسبق ببنك أمدرمان الوطني محمد أحمد مبروك، ذكر لي أن بنك أمدرمان الوطني كان من أوائل البنوك التي اهتمت بتوطين صناعة الحديد في السودان ودفع أموالاً مقدرة للمستثمرين السودانيين لهذا الغرض، وكان له قصب السبق واليد الطولى في قيام صناعات الحديد في السودان، وكان يستهدف في البداية الاستفادة من الحديد الخردة الضخم في السودان وإعادة صناعته من جديد ثم كانت خطته بعد ذلك تشجيع المستثمرين على تعدين الحديد ..
معوقات سابقة
يضيف عمار شليعة مدير عام هيئة الأبحاث الجيلوجية بالبحر الأحمر بقوله: يجب على حكومة حمدوك تشجيع الاستثمار في مجال التعدين في الحديد وإزالة كل المعوقات السابقة التي كانت تعترضه والسعي لوضع خطط لتوفير مصانع لمعالجته محلياً حتى تكون عوائدها الاقتصادية مجدية.
وقال إن تركيز الإنقاذ كان في استخراج الذهب في حين أن السودان مليء بمعادن كثيرة، مبيناً أن استيراد الحديد الصلب من الخارج فيه إهدار لموارد البلاد ..
وزاد بقوله: المطلوب أن تسعى الدولة في وضع خطة لإنشاء مصانع لاستخلاص الحديد من خاماته والتي تغطي مساحات شاسعة من أرض السودان، فالسودان توجد به كميات كبيرة من خام الماغنتيت (Fe3O4) والهميتايت (Fe2O3) واللذين يمثلان الخامات الأساسية لمعدن الحديد.
تجربة مؤلمة
عبد الهادي إبراهيم الخبير في مجال الجيلوجيا والفني السابق بهيئة الأبحاث الجيلوجية، سألته عن أسباب عدم وجود تعدين للحديد في السودان، أجاب بقوله: في رأيي أن تعدين الحديد من السهولة بمكان، ولكن حكومة الإنقاذ ركزت على تعدين الذهب فقط، وأشار إلى وجود بيروقراطية ومعاكسات منعت السودانيين من الاستثمار في الحديد ..
وحول الاستثمارات الأجنبية رأى أن المستثمرين الأجانب بسبب الحظر المفروض على السودان خافوا من دخول مجال التعدين حتى لا تفرض عليهم عقوبات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية .
وقال: كان من الممكن أن تلجأ حكومة الإنقاذ للصين أو ماليزيا (جنوب شرق آسيا)، وقال إن الإنقاذ بخلاف الحديد لم تستثمر في مجال النحاس والمعادن الأخرى ..
وحكى عبد الهادي تجربة شخصية تتعلق بمحاولة مستثمر سوداني للاستثمار في مجال الحديد، فقال: أحد أقربائي أراد الاستثمار في تعدين الحديد، ولكنه وجد معاكسة حرمته من الاستثمار وحتى وفاته لم يجد فرصة للاستثمار .
وانتقد عبد الهادي سكرتارية المناجم والمحاجر التابعة للمدير العام، وقال إنها كانت السبب في المشاكل التي تعترض التعدين في السودان، وقال: جهاز الإحداثيات بالسكرتارية أنا من أحضرته لها، ولكنها لا تعرف تشغيله، مشيرًا إلى تعمدهم في مرات كثيرة رفض منح التصديق بحجة أن المنطقة متداخلة.
وقال إن الصحيح في عملها أن تعتمد على خرائط إلكترونية توضح مناطق التعدين في السودان لمعرفة تفاصيل دقيقة عن المناطق لأنهم يطلبون من المستثمر تحديد منطقة ما، وبعد أن يحددها يقولون له المنطقة محجوزة، مشيراً إلى ضرورة توفر معلومات بالجيلوجيا لكل مناطق التعدين تسهيلاً للمستثمرين.
وعاد عبد الهادي متحدثاً عن تعامله الشخصي مع المستثمر السوداني الذي أراد التعدين في الحديد بقوله: الرجل الذي حدثتك عنه سافر إلى بورت سودان وتم منحه منطقة لينفذ فيها مشروعه من قبل مدير عام الجيلوجيا بالبحر الأحمر، وتحصل على خطاب منه بأن المنطقة خالية من الموانع، إلا أن مكتب السكرتارية التابع للمدير العام أصر على أنها منطقة محجوزة وتساءل بقوله محجوزة لمن؟
مضيفاً: تقدمنا وقتها بشكوى لوزير المعادن الكاروري إلا أنه لم يفعل شيئاً ..
وقال إن تلك الإدارة يفترض ألا تكون بالوزارة لأنها لا تقوم بعملها كما ينبغي ولأنها كذلك تقوم بعمل حسابي ولا يفترض أن يديرها الجيلوجيون، مشيراً إلى أن الجيلوجي يفترض أن يكون عمله في مناطق التعدين لا المكاتب، مضيفاً: ينبغي عليها أن ترافق المستثمرين إلى المناطق المقترحة وتسليمهم على الأرض، وأن تعلم منذ البداية ما هي المناطق المحجوزة وسبب حجزها، مشيراً إلى تفشي ظاهرة حجز مناطق السودان دون استغلالها .
وقال عبد الهادي: لم يحدث أي تعدين للحديد أو للنحاس في السودان، وأشار إلى قيام المصريين قبل سنوات خلت بتعدين المنجنيز في مثلث حلايب، مؤكداً أن مصانع الحديد في السودان تقوم بشراء الحديد الخردة وتخضعه للأفران وتقوم بتشكيله.
مبينًا أن ارتفاع سعر الحديد في السودان يعود إلى هذا السبب.
وختم عبد الهادي حديثه بأن كل ما تم بالخارج من صناعات ضخمة كان من الممكن أن يتم بالسودان، ولكن الإجراءات المتبعة حالت دون قيامها، مشيرًا إلى عدم وجود أي تسهيلات للمستثمرين ضارباً المثل بمطالبة المستثمرين في الحديد بدفع مبلغ 480 ألف دولار، وقال: “حتى الآن توجد في صعوبات من الجيلوجيا للمستثمرين والجيلوجي يفترض يمشي الخلاء يشيل شاكوشو لا أن يجلس في المكاتب” .
وتساءل بقوله: يا ترى كم هي المأموريات التي نظمتها الجيلوجيا لخمس سنوات مضت، وماذا قدمت الجيلوجيا للسودان، مضيفاً: كنا نخرج لخمسة وستة أشهر في الخلاء ولكن المأموريات هذه الأيام وإن وجدت تكون بالفنادق ولخمسة عشر يوماً فقط .
خاتمة
هل نشهد استثمارات ضخمة في قادم الأيام أم تظل ثروتنا التي قدرت بنحو 52 مليار طن قابعة في جوف أرضنا؟