اُختتمت أمس الأحد أعمال الدورة الـ15 لقِمّة قادة مجموعة الـ20، والتي احتضنتها الرياض (افتراضياً)، وذلك برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، واستمرّت أعمالها على مدار يومي السبت وأمس الأحد، لتتوّج أعمال عام استثنائي في تاريخ البشرية، أثبتت فيه المملكة العربية السعودية جدارتها وقُدرتها على قيادة العالم عبر رئاستها للمجموعة التي تضم بجانب المملكة العربية السعودية دول (الولايات المتحدة، روسيا، اليابان، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، كندا، الصين، جنوب أفريقيا، كوريا الجنوبية، بريطانيا، روسيا، اليابان، إيطاليا، تركيا، إندونيسيا، الهند، المكسيك، البرازيل، أستراليا والأرجنتين)، وكذلك كُبرى المنظمات والهيئات الدولية كـ(صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، مُنظّمة التجارة الدولية، مُنظّمة الصحة العالمية، مُنظّمة العمل الدولية، الأمم المتحدة، مجلس الاستقرار المالي ومُنظّمة التنمية والتعاون الاقتصادي).
منذ تسلُّم المملكة لرئاسة المجموعة، أعدّت برنامجاً شاملًا وطموحاً بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبمتابعة حثيثة وإشرافٍ مُباشرٍ من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد – حفظهما الله – يشمل أهم القضايا المُلحّة والتحديات التي تُواجه القطاعات الاقتصادية في المُستقبل، بالإضافة إلى صياغة السِّياسات والمُبادرات الاقتصادية والحلول التي من شأنها التّصدِّي لهذه التحديات لصالح شُعُوب الدول كافّة، وذلك بالتعاون المُشترك مع دول مجموعة العشرين، وحمل الإعلان التفصيلي لبرنامج رئاسة المملكة لمجموعة العشرين في طيّاته، العديد من المشروعات تدعم نمو الابتكار في العالم، وتحقيق الرفاهية وتمكين شُعُوب العالم والحفاظ على الأرض، مِمّا يتوافق مع برامج ومُبادرات رؤية المملكة 2030 والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجوهر أهداف مجموعة العشرين من حيث التركيز على الاستقرار الاقتصادي، والتنمية المُستدامة، وتمكين المرأة، وتعزيز رأس المال البشري، وزيادة تدفُّق التجارة والاستثمارات.. ولكن بلا شك أنّ جائحة “كورونا” فرضت تحديات عديدة على العالم أجمع، أعاقت الكثير من الأنشطة بمُختلف المجالات.
وبرغم تأثير الجائحة، نجحت المملكة في قيادة العالم بمسؤولية، وواجهت التحديات بعزيمةٍ وإصرارٍ واقتدارٍ، وضعت على رأس أولوياتها حماية الأرواح والاقتصاد من تبعات جائحة “كورونا”، وأولت اهتماماً خاصّاً بمُناقشة السِّياسات المُتعلِّقة بالأفراد بمُختلف اهتماماتهم والمجالات التي تمس حياتهم، وعُقدت خلاله قمتان افتراضيتان، الأولى القمة الاستثنائية الافتراضية في 26 مارس 2020م، لمُناقشة وتنسيق الجُهُود العالمية لمكافحة جائحة “كورونا”، ومن ذلك التقدُّم بإطار عمل لهيكلة دُيون الدول الفقيرة والالتزام بمُبادرة تعليق المدفوعات مُراعاةً لتأثيرات الجائحة والحد من تأثيرها الإنساني والاقتصادي، واستمرّت مئات الاجتماعات على مُستوى الوزارات والهيئات لتتوّج بالقمة الثانية التي بدأت أعمالها يوم السبت افتراضياً من الرياض.
نجاح المملكة في رئاسة القمّة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، كان بفضل روح المُبادرة والقيادة والتّخطيط بمسؤولية وتجرُّدٍ، والذي تَجسّد وتَبيّن من خلال كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الافتتاحية أمس، والتي تُعد خارطة طريق للعبور وخُطة عمل وافية لخير البشرية، شَخّصَت الأزمات التي يشهدها العالم، ووضعت في الوقت ذاته الوصفات العلاجية للمُشكلات الاقتصادية والاجتماعية.
حيث ابتدرها بالتأكيد على أهمية التعاون الدولي في هذا الظرف الدقيق والحسّاس، وأهمية النهج الجماعي والتشاركي؛ كأفضل سبيلٍ لمُواجهة الأزمات العالمية، وفي مُقدِّمتها جائحة “كورونا”، وبيّنت كلمة خادم الحرمين سعي المملكة للتصدِّي لأزمة عالمية غير مسبوقة عصفت بالإنسان والاقتصاد العالمي، داعياً إلى إعادة الاطمئنان والأمل لشعوب العالم، ودفع وتوحيد الجُهُود الدولية لكتابة فصل المُواجهة الأهم في أزمة فاقت في تبعاتها تداعيات الحرب العالمية الثانية.
وتعكس دعوة الملك سلمان لقادة دول مجموعة العشرين للارتقاء لمُستوى التحدي، والتزام الرياض منذ اليوم الأول لعام رئاستها في توحيد الجُهُود الدوليّة، ورفع مدى الالتزام الجماعي لتحقيق أهداف المجموعة من جهةٍ، وتصدِّيها لمسؤولياتها في مواجهة أزمة “كورونا” من جهة ثانية، وتظهر الكلمة تركيز السعودية على تأكيد فاعلية الجُهُود المُشتركة بما في ذلك التعهُّدات المالية لتعزيز الاقتصاد ودفع جُهُود إنتاج وتأمين اللقاحات وإعادة فتح الاقتصادات والحُدُود لتسهيل حركة التجارة والأفراد، على الرغم من الأثر الكبير الذي تَسَبّبت به جائحة “كورونا” على اقتصادات دول العشرين.
ورغم تداعيات الجائحة صحيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، إلا أنّ خادم الحرمين الشريفين لم يغفل عن هدف استراتيجي للمجموعة وهو اغتنام فُرص القرن الـ21 للجميع، لإيمانها بأنّ ذلك أساس تجاوُز التحدي العالمي وتشكيل مُستقبلٍ أفضلٍ للشعوب، وحين يدعو الملك سلمان قادة مجموعة العشرين إلى مُعالجة مواطن الضعف التي أظهرتها الأزمة الحالية والتأهُّب بشكلٍ أفضل للأوبئة المُستقبلية، فكل ذلك يعكس النظرة الثّاقبة لإدارة المملكة عام رئاستها واستشرافها المُستقبلي لما يجب أن تكون عليه دول العالم من جاهزية كاملة في التعامُل مع أزماتٍ أخرى قد تكون أكثر حِدّةً، كما يثبت دور الرياض كعُنصرٍ أساسي لقيادة الاستقرار الإقليمي والعالمي وقُدرتها ومكانتها بين كبار دول المجموعة.
وتطرّقت الكلمة، كذلك إلى ضرورة إتاحة فُرص النمو للجميع وبالأخص للنساء والشباب وتعزيز دورهم في المُجتمع وسوق العمل من خلال التعليم والتدريب وخلق الوظائف، ولم تَغفل المملكة تهيئة الظروف لخلق اقتصادٍ أكثر استدامةً وتحقيق الأهداف المُتعلِّقة بالتغيُّر المناخي وضمان إيجاد أنظمة طاقة أنظف بأيسر تكلفة عبر مُبادرةٍ مُهمّةٍ بشأن الاقتصاد الدائري للكربون، وكذلك استشعار أهمية التجارة كمُحرِّك أساسي لتعافي اقتصادات العالم؛ ما دفعها لتبني مُبادرة الرياض لمُستقبل مُنظّمة التجارة العالمية، بهدف جعل النَّظام التِّجاري أكثر قُدرةً على مُواجهة التّحديات الحاليّة، وأيضاً حماية كوكب الأرض الذي يأتي علم سلم أولويات رئاسة السعودية لمجموعة العشرين.
نجاح المملكة في رئاسة التجمُّع الدولي الأكبر في عام استثنائي، واجه العالم فيه أكبر تحدٍ في العصر الحديث أثّر على كل الأنشطة الاقتصاديّة والاجتماعيّة.. لهو تأكيدٌ على ريادة المملكة وحكمة قيادتها ومكانتها وموقعها كعُنصرٍ فاعلٍ ورائدٍ في المُجتمع الدولي، وحرصها على مصالح البشرية أجمع و استقرار العالم، مُقدِّمةً للعالم نُموذجاً مُتفرِّداً في القيادة والريادة كأول بلدٍ عربي يقود القوى العالمية بحنكةٍ وثقةٍ ورؤيةٍ ثاقبةٍ حَوّلت الأزمة إلى فُرصةٍ لإلهام العالم برؤيتها، وأنقذت العالم من أزماتٍ صحيةٍ واقتصاديةٍ ونفطيةٍ بشهادة زعماء الدول الكُبرى كَعهد الكِبَار.
حفظ الله بلادنا وأوطاننا وقادتنا وولاة أمرنا.. وأدام ما نحن عليه من خيرٍ وسلامٍ ورحمةٍ وتلاحُمٍ.. وعاشت بلادنا رمزاً للنجاح والفلاح للتّقدُّم والريادة والمُجد والسُّؤدد.