يوم وليلة مع الأحباب أهل البلاغ والدعوة ماذا بعد ما رأيك؟

 

واليوم جمعة والمكان مدينة بورتسودان واشعة الشمس لاهبة منذ بذوغها والضو ساطع بحده الاقصي والعرق يتصبب بغزارة جراء الحرارة والرطوبة كل ذلك يشعر غالب الناس بالعبوس إلا الأحباب في مركزهم المسجد وفي تجمعهم الجامع السنوي تنسرب منهم مشاعر الحب والإخاء الصادق برداً وسلاما يلسعك في عمق قلبك عند مخالتطهم فيأتيك اليقين بأن الشيخ محمد الياس جامع الأحباب لم يخب ظنه ومسعاه حينما فزع من أحداث تزايد نشاط حركة الرّدّة عن دين الإسلام إلى دين الآباء والأجداد الوثني البرهمي بعد أن توفرت الحرية للأفراد والجماعات في ظلّ الحكم الإنجليزي وتشجيعهم لاعتناق دياناتهم القديمة حتى لا تقوم قائمة للمسلمين الذين انتزع منهم الحكم وورثت أرضهم وديارهم فارتد كثير من المسلمين المنحدرين من أصول هندوكية بسبب الجهل والمخالطة والمصاهرة والمشاركة في العادات والتقاليد وترك واجب الدّعوة إلى الله.

أفزع هذا الوضع الشيخ محمد إلياس رحمه الله وأثار حميته وغيرته الدينية فأقبل على إنشاء المدارس وبثّها في القرى على نفقته واقتنع أخيراً بأن الأولى والأفضل الاتصال بطبقات الشعب مباشرة وإثارة شعورهم الديني وإحساسهم بالخطر المحدق بهم وتذكيرهم بحاجتهم إلى بارئهم وضرورة الاستعداد ليوم لقائه ورأى أن يبدأ دعوته بتحريك الإيمان في قلوبهم وتصحيح معتقدهم وتعريفهم بمبادئ الاسلام وعبادة الله والدعوة إلى تطبيقها والحثّ على العلم والاشتغال بذكر الله، وحتى لا تقع الحركة الوليدة في النزاع والتحزّب وانعزال الدّاعي وترفّعه عن المجتمع الذي يقوم بالدعوة فيه كما يحدث غالباً أضاف إلى أسس دعوته: الحث على إكرام المسلم، وترك الدّاعي ما لا يعنيه وربما كان في ذلك صيانة هذه الجماعة في جوّ مشبع بالخصومات السّياسية والحزبيّة والطائفية في الهند وهذا معلوم لنا ولغيرنا الذين خالطنا المجتمع الهندي فالإبتعاد عن الخصومات السياسيه مورست في الاسلام في بواكيره بعد المحنة وانتقال الأمر من الخلافة الراشد الي الملك العضود وبشئ من التدرج من غالب فقها ذلك الحين.
ورأى الشيخ رحمه الله أن الدّعوة لا يرجى لها الاستمرار والانتشار إلا إذا قام لها رجال متطوعون محتسبون لا يعتمدون على الإعانات الحكومية ولا على التبرعات ولا يشغلون أوقاتهم الثمينة بالأعمال الكتابية والحسابية، فاختار لدعوته أن تطلب من المسلم الفائض من وقته وجهده بدلا من أن تطلب منه الفائض من ماله وعلى هذا النهج بدأت الدعوة في منطقة من أحطّ المناطق الهندية خلقاً وأكثرها جهلاً وأبعدها عن الدّين الحنيف وهي منطقة (ميوات) بالقرب من دلهي القديمه
ودعي الناس إلى شغل أوقات فراغهم بالخروج بعض الوقت من بيئاتهم الفاسدة إلى بيئات جديدة يعيشون فيها حياة المسلم كما سنّها رسول الاسلام صلى الله عليه وسلم ويتعودون فيها على أداء ما أوجب عليهم.

وقد ظهر الأثر ثم انتشرت الدعوة في الهند والباكستان دون نفقة كثيرة أو جهاز إداريّ معقِّد، وقام الداعي إلى الله حسب قدرته يحمل زاده ومتاعه وينفق على نفسه ويعيش بين من يدعوهم يخالطهم ويؤاكلهم ويذكّرهم بالله في كلّ وقت وحين ويكون قدوة لهم في التزام ما يدعوا إليه.
دخلت للدعوة البلاغ السودان في العام 1951 ثم انتشرت في الربوع والقري والنجوع وتأثر بها الكثيرون….صديقى عمر هارون التقيته في الهند أيام اليفاعة الطلابية قديم لي للدعوة لحضور مجمعهم السنوي رافقني الحبيب الطيب الفكي ايضا التقيناه في الهند لذات الغرض أحاطونا باهتمام غير متكلف وبحبور دافق استمعنا الي البيانات والمشورة وصلاة الجمعة والدعاء والهدايات…ليس هنالك برنامجا مكتوبا ولا لوحات ارشادية ولا مولدات احتياطية الكهرباء متلائمون مع الطبيعة ويتبسطون لكأنهم يذكرونك بأن الدعوة ابسطها آية.. تنظيمهم يقوم علي
المركز الرئيس للجماعة هو المركز القديم في منطقة نظام الدّين دِلهي ويقيم فيه أميرها (العام) ويعود إليه قرار تعيين أمير الجماعة في كلّ قطر بعد التشاور مع كبار الجماعة في ذلك القطر وليس لأحباب الدعوة نظام مكتوب أو سجلّ ثابت للأعضاء أو رسم عضوية وليس لها ميزانية ولا صندوق ولا تقرير دوري بل المشورة وتسديد الرأى
أما نفقات الخروج للدعوة فيتحملها كلّ مشترك فيها يدفع قبيل الشروع في السفر ما يكفي قوته ثلاثة أيام ويحمل معه متاعه وفراشه ويقيمون في المساجد، ولكلّ بلد أمير (محلّي)، ولكلّ جماعة تخرج من المركز أمير يختاره أمير المركز بالتشاور مع القدماء ولا يحصل الأمير على مقابل مادّي وليست له أيّ سلطة إدارية خارج عمل الدّعوة، وإنما أخذت التسمية من أمر النبي صلى الله عليه وسلم للجماعة المسافرة بتأمير أحدهم.

وعلى رجل الدّعوة (ما أمكن) تفريغ وقته للخروج في سبيل الله للدعوة ثلاثة أيام في الشهر وأربعين يوماً في السّنة وأربعة أشهر مرّة في عمره، وأن يشترك في جولتين أسبوعياً إحداهما في مسجد حيّه والأخرى في مسجد حيّ آخر وأن يشترك في حلقتين يومياً إحداهما في المسجد والأخرى في البيت مع أهله لذكر الله وللتعرّف على فضل الطاعات وثوابها عند الله سبحانه وتعالى وبالتالي لتزيد رغبتهم فيها…. منهجهم ينحصر في وعظ المسلمين وتذكيرهم بالله واليوم الآخر ونقلهم من بيئات الغفلة إلى المساجد وتعويدهم على تطبيق عقيدتهم وواجباتهم الدينية وأداء النوافل والعمل بالسّنّة في حياتهم العادية: في النوم والأكل والتعامل مع جميع المسلمين.

والركيزة الأساسية في دعوتهم: الموعظة الحسنة ويطلقون عليها (البيان) وتشغل في غالب الوقت بين صلاتي المغرب والعشاء، وموضوعها الذي لا يتغيّر: ستة أصول أو صفات من صفات الصحابة يرون من الضروري أن يتدرّب عليها المسلم تشبّها بهم وهي: اليقين على الله وحسن اتباع النبي والصلاة ذات الخشوع واالخضوع والعلم مع الذكر وإكرام المسلم وحسن الخلق والإخلاص وتصحيح النية والدعوة إلى الله ….الجماعة كما أراها ليس مدحهم لتحلّيهم بحسن الخلق والتزامهم بالطاعات وترك المعاصي والتضحية بالوقت والجهد والمال وتحملهم الأذى والمشقة في سبيل الدّعوة إلى الله وتجنبهم القدح في غيرهم ورغبتهم عن الجدال والمراء وتأثيرهم في غيرهم فلا يذكر فيهم عيباً ولا نقصاً لا وإنما من باب سد الثقرات في جسد الدعوة الواسع الرتق وذلك ليس في تقديري من المتبعين إنما الدعاة انفسهم حيث لا يرضون بدعوة بعضهم البعض حيث بعضهم يبالغ في ذمّهم فلا يعترف لهم بفضل بعض طلاب العلم ينفرون منهم وينفّرون الناس منهم لأن منهجهم لا يتضمّن تدريس الاحكام والفقه وغيره.
غير ان الاحباب ناشطون في الدعوة الأفقية التي تسعى لإجتذاب المسلم من غفلته عن ربّه وإخراجه من سجن شيطانه ودنياه فإنه يكون بذلك خطا الخطوة الأولى الضرورية لدخول سبيل هذا الدّين العظيم. ولعل ذلك من باب الحكمة والموعظة الحسنة التي وصفها الله سبحانه وتعالى طريقاً للداعي الأول صلى الله عليه وسلم، وأن ليس من الصواب في شيء مطالبتهم بطرق كلّ مجالات الدّعوة أو التوقّف عنها دفعة واحدة . أري
ان الأحباب قد نفع بهم آلله نفعاً عظيماً، وهم يسدّون ثغراً لا يكاد ينافسهم في سدّه منافس، يزورون الناس في بيوتهم ومتاجرهم ومقاهيهم وخمّاراتهم
وأشد ما أدهشني في بياناتهم ذاك الكم الكبير من المتحولين من المعصية والغفلة الي رحاب الدعوة والكم الكبير من الداخلين الإسلام قصص بالكاد تحبس دموعك عند ذكرها..
الشيخ محمد عيسى وفقه الله وحفظه يتحدث بالساعات عن فضل الخروج في سبيل الله وقصص الهدايات خاصتة في أوربا بشكل تود لو أنه لا ينقطع الاحباب لكل منهم حديث وحادثة حينما يخرجون في البوادى والفرقان قصص تحي الأفئده بقدرما تعتصر لها القلوب من غفلة المجتمع وأفراده عن التبليغ….
تقبل آلله منكم أيها الأحباب فقد ذكرتمونا بمقاصد أن نكون من أمة الحبيب محمد صلي آلله عليه وسلم ونفع بكم فأنتم ملح ألأرض وفلاح المهتدين….
د. حسن بابكر.