لم تكن المهاجر في بعض الأحايين، مجرد مآوي وملاجئ للذين يقصدونها، من ضيق بلادهم وجور حكامهم، لكنها للبعض منهم تُمثل أرض الأحلام، يحققون فيها طموحاتهم العِراض، وآمالهم في هذه الحياة الدنيا، بعد أن استشكل عليهم تحقيق مآربهم في أوطانهم، وتذكروا قول الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”. فهاجروا منها زُرافاتٍ ووحداناً إلى أرض الله الواسعة. من هؤلاء الأخ الأستاذ عبد السلام سيد أحمد المحامي والذي يُعد من أوائل السودانيين الذين حصلوا على ترخيصٍ لمزاولة مهنة المحاماة في بريطانيا وأول كاتب عدل (Notary Public) سوداني وعربي في المملكة المتحدة، وأول سوداني افتتح مكتباً للمحاماة في لندن، متخصص في عقود تسويات ما بعد الخدمة في بريطانيا، وفقاً لقانون العمل البريطاني. وكذلك من تخصصات المكتب، قضايا النزاع المالي والعقارات، وشراء وبيع المنازل والعقارات التجارية.
زُرْتُ الأخ الأستاذ المحامي عبد السلام سيد أحمد في مكتبه بادجوارد رود بقلب لندن والذي يرتاده الكثيرون من السودانيين وغير السودانيين لقضاء مآربهم، ورفع دعاويهم أمام المحاكم البريطانية، وتوثيق عقود شراء وبيع العقارات التجارية والسكنية. ولمَّا كان المحامي عبد السلام سيد أحمد، العربي الوحيد الذي يحق له ككاتب عدل توثيق العقودات والوثائق والمستندات القانونية، يتزاحم إلى مكتبه طالبو هذه الخدمة القانونية، حتى أن مسؤولي مكاتب الترجمة العربية في إيدجوارد رود يعلنون أن لديهم هذه الخدمة لعملائهم، عن طريق مكتب الأستاذ عبد السلام سيد أحمد، برسوم إضافية!
استعرضُ في هذه العُجالة، بشئٍ من الإيجاز، جوانب من قصة هذا المهني السوداني الذي حفر اسمه في سماء القانون في بريطانيا. جاء الأخ عبد السلام سيد أحمد إلى بريطانيا صبياً يافعاً، بعد أن أكمل المرحلة الثانوية بالسودان، في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ففكر وقدر، ثم قرر الهجرة إلى بريطانيا، كسباً للعيش، وبحثاً عن التعليم. وكان يعلم أن قدره في البلاد التي هاجر إليها، لا بد أن يكون عصامياً، وذلك بأن يُزاوج بين العمل والدراسة. واقتحم سوح العمل، ليوفر دخلاً ليعتاش عليه ويدرس منه. وبالفعل بدأ يعيش مرحلة الشدة وفترة العصامية، بين رهق العمل وقسوة الدراسة! وأحسبه كان يُردد في دخيلة نفسه، بعيداً عن الأهلين، قول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحُسَيْن:
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِبارا تٓعِبٓت في مُرادِها الأَجسامُ
عَمِل الأستاذ عبد السلام سيد أحمد، منذ البدء على العيش المستدام في بريطانيا، فكان مدخله إلى ذلكم كورساتٍ تأهيليةٍ للدخول إلى الجامعة، ثم دخل جامعة وستمنستر البريطانية وتخرج فيها من كلية القانون. ودرس الكورس التأهيلي لممارسة مهنة المحاماة في بريطانيا. ولم يكتفِ بذلك، بل عَمِل فترة تدريبية لمدة ثلاث سنوات (1998 – 2000)، ومن ثم اجتهد وحصل على دبلوم عالي في القانون من جامعة كمبريدج، وماجستير في القوانين في جامعة لندن.
وافتتح مكتبه الخاص في منطقة إديجوار رود بقلب لندن في عام 2000 إلى يوم الناس هذا. وينشط الأستاذ عبد السلام سيد أحمد في المجالات الثقافية والاجتماعية وفِي المنظمات الطوعية وجمعيات أعمال الخير في بريطانيا والسودان. وكان يحرص في بداية حياته المهنية، على تقديم محاضرات للأقليات المسلمة عن قوانين الهجرة البريطانية في المركز الإسلامي – ريجنت بارك – والمنتدى الإسلامي – فولهام -. كما ساهم في إنشاء الرابطة النوبية في المملكة المتحدة.
وكان يُساهم في تدريس بعض المواد القانونية، كأستاذٍ زائرٍ في معهد تدريب القضاة بالخرطوم. ويُقدم الاستشارات القانونية للسفارات العربية وشركات الطيران العربية، والشركات الخاصة والأفراد الذين يرغبون في شراء دورٍ للسكن أو محلاتٍ تجاريةٍ، بالإضافة إلى مساعدة الشركات والأفراد في تسجيل شركاتهم، وحصر الإرث لدى المحاكم البريطانية.
أخلص إلى أن الأخ الأستاذ المحامي عبد السلام سيد أحمد رمز من رموز المهنيين السودانيين الذين شقوا طريقهم وسط الصعاب، في مسارات مهنتهم، إخلاصاً وهِمةً وتطويراً، وبنوا لأنفسهم اسماً لامعاً، ولوطنهم الأم سمعةً عاليةً. وَمِمَّا لا ريب فيه، أن أمثال الأخ عبد السلام سيد أحمد من الذين أعرفهم في بريطانيا كُثر، ولكن من الضروري الوقوف على تجارب بعض هذه الكواكب المنتشرة، بعيداً عن أرض الوطن!