تقرير :سهام منصور
في خطوة تُعد من أهم التحولات الرقمية في منظومة الجمارك السودانية، أعلن السودان عن بدء تطبيق نظام الإعلان المسبق عن الشحنات (Advance Cargo Declaration – ACD) اعتبارًا من الأول من يناير 2026، وذلك في إطار مشروع واسع لتطوير بيئة التجارة وتسهيل حركة السلع وتعزيز الرقابة على الحدود والموانئ. ويُعد هذا النظام من أبرز الأدوات التي تعتمد عليها الدول الحديثة لضمان سلامة سلسلة الإمداد، وكشف المخاطر، وتحسين مستوى الشفافية في قطاع الجمارك.
ويُلزم النظام الجديد شركات النقل البحري والجوي، ووكلاء الشحن، والمستوردين، بتقديم بيانات الشحنة كاملة قبل وصولها إلى الميناء أو نقطة الدخول. وتشمل هذه البيانات البوليصة، الفاتورة التجارية، تفاصيل الحاوية، الوزن، العدد، وصف البضائع، أسماء الأطراف التجارية، وغيرها من المعلومات الحيوية التي تساعد الجمارك على تحليل الشحنات مسبقًا والتأكد من مطابقتها للقوانين والمعايير الجمركية.
ويأتي تطبيق هذا النظام في وقت يشهد فيه السودان تحديات اقتصادية وأمنية معقدة، ما جعل الحاجة إلى رقابة أكثر ذكاءً ودقة مسألة بالغة الأهمية. ويسمح النظام الجديد للجمارك بإجراء تحليل مبكر للمخاطر قبل وصول البضاعة، وهو ما يتيح إمكانية التدخل السريع في حال وجود مؤشرات تهريب، أو تلاعب تجاري، أو محاولات لإدخال مواد محظورة أو خطرة إلى البلاد.
وتعتمد المنظومة على منصة رقمية موحدة توفر الربط المباشر بين جميع الجهات ذات الصلة، وتعرض للضباط لوحات متابعة ذكية حسب الدور الوظيفي، مما يُسهّل عمليات اتخاذ القرار، ويقلل الحاجة للتدخل الورقي والعمليات اليدوية التي طالما كانت بيئة مناسبة للأخطاء والتجاوزات. كما يتيح النظام توثيقًا إلكترونيًا لكل خطوة، بما يعزز النزاهة والشفافية، ويحمي الضباط من المساءلات الناتجة عن تضارب المعلومات.
وأوضحت الجمارك أن التطبيق الكامل للنظام سيؤدي إلى تقليص زمن التخليص الجمركي بشكل ملحوظ، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على حركة التجارة، ويُسهم في خفض تكلفة الشحن والتخزين، ويدعم تنافسية السوق السوداني أمام الأسواق المجاورة. كما يضمن النظام منع دخول السلع الضارة والمخالفة، بما فيها المنتجات غير المطابقة للمواصفات والأسلحة والمواد الكيميائية الخطرة والمخدرات، مما يعزز الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي على حد سواء.
ويشير خبراء التجارة الدولية إلى أن السودان بانضمامه إلى هذه المنظومات الحديثة يخطو خطوة كبيرة نحو مواكبة الممارسات العالمية المعمول بها في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض دول الخليج التي تعتمد نظام الإعلان المسبق منذ سنوات، وحققت من خلاله نتائج واضحة في مواجهة التهريب وتحسين مستويات الالتزام الجمركي.
ويُعد نجاح النظام مرهونًا بالتزام شركات النقل والمستوردين بتقديم المعلومات الدقيقة في الوقت المحدد، إضافة إلى جاهزية البنية التقنية وتدريب الكوادر الجمركية على التعامل مع التحول الرقمي. ومع ذلك، يؤكد مسؤولو الجمارك أن التجهيزات قطعت شوطًا كبيرًا، وأن السودان يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تتسم بالشفافية، والرقابة الذكية، والسلامة القصوى لسلسلة الإمداد.
ومع اقتراب موعد التطبيق الرسمي، يتوقع أن يشهد قطاع الجمارك تغيرًا جذريًا، ينعكس بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني وأمن الحدود، ويضع السودان في مسار جديد نحو التجارة الحديثة والموانئ الذكية.
صحيفة سودان بيزنس الاقتصادية صحيفة سودان بيزنس الاقتصادية