حاجب الدهشة.. علم الدين عمر.. البلال والمدني وأردول.. صيد الكوبرا وأقتناص المواقف ..

.. وعلي شفا جرف هار من التدابير والقوانين ومشياً علي حواف الأعراف والتقاليد الراسخة في أدب الأخوانيات والمخاشنة الناعمة التي أندثرت ككل الأشياء الجميلة في بلادنا أشعل الحبيبان عاصم البلال الطيب وبكري المدني الساحة الصحفية في السودان.. وليت الناس يعلمون كيف يتدبر الصحفيون أمرهم ويتأبطون همهم وهم يتسربون في مسام الأمسيات المتشابهة الرتيبة.. يتناجون ويصخبون ويملأون الدنيا ضحيجاً و(غلاطاً) ويقنعون في آخر الأمر بصحن فول يلفهم الرضا ويحتويهم الشجن الأليم.. ففي رحلتهما تلك(المجهولة) إلي البطانة يبدو أن جائحة من خلاف قد إنتاشت مواقفهما فأتخذها المدني ميداناً لنداء دون صدي في وادي الأمنيات بينما أنتهزها البلال كدأبه سانحة للتدبر والتفكير والمنطق.. فألتقطها السيد مبارك أردول الشهير كصائد كوبرا محترف.. ولعلي أهتبلها بدوري لأدلي بدلوي في بئر التعدين الأهلي العميق. الخطر.. وبين الكلمات ما ينذر بشر مستطير والبلاد في فراغها الدستوري المتطاول والقوم في أختصامهم المشؤوم…
والتعدين الأهلي يا صديقي بكري المدني هو دنيا قامت علي أنقاض الدنيا القديمة في السودان… ملايين الشباب أفترشوا الأرض وألتحفوا السماء في وديان وسهول وصحاري وجبال البلاد في شرقها وغربها وشمالها وجنوبها.. أنشأوا تشكيلاتهم العرفية ونصبوا لها السرادق والأحلام.. وهماً وحقيقة.. ملايين الشباب تقطعت بهم السبل ونأت دفاتر الكناتين البائسة في الكنابي والمدن والقري البعيدة بجرورتهم المتزايدة وفارقوا الأهل والولد وتبعوا بريق الأصفر الرنان فلا أرضاً قطعوا ولا سماء أبقوا.. أحرقوا مراكب الرجعة لحياتهم القديمة.. خاضوا تحديات الخوف والمرض وتنأت خطاهم عن الزرع والضرع.. ولا مجال أمام الدولة بفقه الأفاعي الأردولية إلا رعاية حلمهم وتقنين أوضاعهم.. فملايين الشباب ليسوا رقماً في سجلات الأفندية لتسفه أحلامهم بجرة قلم.. ومناشدتك يا صديقي لأهل البطانة لوقف التعدين هي صرخة متأخرة جداً ولن تجد أذناً صاغية وإن تعللت بالمنطق.. فلا أحد يستطيع السيطرة علي الكوبرا التي تناسلت بالملايين في حواضن القفص الذهبي.. ملايين الشباب الآن ديونهم قائمة علي الذهب.. أحلامهم قائمة علي الذهب.. مستقبل أبنائهم وأسرهم قائم علي الذهب… إمبراطورية من المصالح المتقاطعة لن تتسع لها مزارع البلاد ومراعيها ولا ترابيس سجونها…
ليس قراراً خاطفاً تتخذه السلطات لمجرد خاطرة ويتابعه صديقنا أردول ذاك المتعلق بإيقاف التعدين التقليدي أو حتي تقنينه فهذا أمر معقد معقد.. حملات إحاطة وحصر في فترات سابقة قدرت عدد المعدنين الأهليين بحوالي مليوني معدن منتشرين في ثلاثة عشر ولاية في مواقع التعدين التقليدي وأسواق التعدين التقليدي المنتشرة في جميع الولايات ويبلغ عددها حوالي ثلاثة وسبعين سوقاً تتم فيها معالجة حجر المعدنين من المناجم.. إنتشر الزئبق الأحمر الخطير والسياميد القاتل.. وضاقت المستشفيات والمراكز بالمرض.. والعرج المكاسير.. أجهضت النساء وشاهت الأجنة.. وأنتشرت السرطانات وأمراض المناعة في واحدة من أغني أراضي الدنيا التي يعيش فيها أحد أفقر شعوب الأرض.. ولكن لا مجال للتراجع.. بل المراجعة المتأنية.. حفاظاً علي المجتمعات.. أو ما تبقي منها من كوبرا الأقفاص الذهبية التي نمت وتمددت وتناسلت وتكاثرت بما يتجاوز حدود المنطق..
أما اختلاف المدني والبلال ذاك الذي سارت بذكره الركبان فهو لطيفة من لطائف الفجيعة لا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً إن لم تقم الدولة علي أمرها..
نعود فنحدثكم عن أردول وشرطة التعدين وتشوهات الأحلام بفعل الزئبق.